الاثنين، 24 مارس 2008

الصمود في مواجهة معركة التحقيق والاعتقال.......الجزء الثاني


الصمود في مواجهة معركة التحقيق والاعتقال.......الجزء الثاني


5- أسلوب الصديق والوحش :-
يعتبر هذا الأسلوب من أكثر الأساليب شيوعاً ، وفي معظم مراحل التحقيق وبخاصة مع البسطاء وغير المجربين ، وهو من اكثر الأساليب تورية وخداعاً وتضليلاً .
ولتنفيذ هذا الأسلوب يشترك اثنان من المحققين في كل جولة تحقيق على الأقل يظهر أحدهم بمظهر المجرم السفاح ،وقاسي القلب والطبع ، مبتذل في الفاظه وسلوكه لا يحترم شيئاً أو أحداً ، لا وظيفة له سوى التعذيب والقسوة والرغبة في الاجرام محاولا أن يثبت شخصيته في ذهن المعتقل ويدخل الرعب في قلبه ويجعله يحسب له ألف حساب . والآخر يظهر كانسان لطيف ومهذب يرفض الأساليب غير الحضارية ، ويظهر استياءه من اي قسوة أو سلوك عنيف أو تعذيب ، ويلقى بثقله إلى جانب المعتقل محاولاً مساعدته وتخليصه من بطش المحقق المرعب . أحدهما يهاجم المعتقل والآخر يحميه ، أحدهما يكشر ويقوم بحركات بهلوانيه ويهدد ، والآخر يبتسم ويطمئن ، أحدهما يحرم من الماء والذهاب لدورة المياه ، والآخر يقدم الماء والقهوة والسيجارة ، أحدهما يمارس العنف والقسوة والبذاءة ، والآخر يواجهه بالكلام المعسول والنصح الأخوي والشفقة وروح العطف والصداقة .
هذا الجو المصطنع في ظل هذه الثنائية التي تبدو ظاهرياً متناقضة يشكل مدخلاً للتحقيق وإذا ما انطلت الحيلة على المعتقل فإنه سيختار أن يبقَ في كنف الصديق ، وسيكتشف في الجولات القادمة حجم الخدعة عندما يتحول هذا الصديق إلى عدو ووحش مفترس وسيدرك اللعبة متأخراً .
فباللين يمكن خلق جو ودي وحواري يتم فيه الأخذ والعطاء ، وشرح الوقائع ، وايجاد أرضية ملائمة للانسجام النفسي بين المحقق والمعتقل ، وتطويعه للاعتراف أو عقد صفقة مع المحقق ( تعترف وأحميك من الضرب ) أو يطرحها المحقق كشعار (الحماية مقابل الاعتراف ) أو ( عمق الحماية بعمق التعاون والاعتراف ) ، وإذا أبدى المعتقل ممانعة في الاستجابة لخطة وسيناريو المحقق فإنه لا يلبث أن ينزع القناع عن وجهه اللئيم ، أو يدفع به إلى المحقق الوحش وبعد جولة من التعذيب يعود إليه ويلومه لأنه لم يسمع كلامه ونصائحه ، ويعلن انسحابه وعدم تدخله بالأمر مرة أخرى ، ويترك المجال للمحقق الوحشي في استخدام طريقته العنيفة ، وفجأة يدخل المحقق الآخر (الصديق) ويبدأ في تمثيل دوره من جديد حيث يأخذ بالصراخ على المحقق الوحشي ماذا تفعل .. استغليت الفرصة واستمريت في ضربه .. ابتعد عنه .. لا علاقة لك به .. هل هو حمار .. أليس لك أولاد .. ألست انساناً .. أخرج من هنا .. سأطلب محاكمتك .. ثم يتوجه إلى المعتقل قائلاً : تعال يابني .. اجلس هل تريد ماءً .. أنا آسف على ما حصل .. ليتك سمعت كلامي .
إن المحقق الصديق لا يهدف إلى الخداع وحسب بل الأهم من ذلك هو ايجاد جو من الألفة بينه وبين المعتقل تمهيداً للحصول على اعترافات هامة ، ويتطور معه إلى أشكال جديدة من الحوار ( غسيل الدماغ ) باستخدام أسلوب التشكيك بالحركة والجهاد ، والتركيز على المصير والمستقبل الشخصي ، وربما يتطور الأمر إلى أبعد من ذلك كطلب التعاون مع المخابرات عند خروجه كحالة اختراق وتوقيعه على تعهد بهذا الشأن مقابل امتيازات وحوافز .
وبالرغم من أن هذا الأسلوب هو أوسع الأساليب شيوعاً واكثرها استعمالاً .. إلا أنه من أكثرها هشاشة وقابلية للكسر . فالمحقق الصديق يبقى يمثل هذا الدور المزيف طالما اللعبة تنطلي على المعتقل ولكن في حالة الفشل يتحول إلى وحش كاسر . وان فهم هذه اللعبة / الأسلوب شرط من شروط افشالها . وأن عدم الانسجام والانخداع بالمحققين سوف يدفع بهما إلى اليأس واستخدام التعذيب المكشوف دون أي غطاء أو حيلة ، والبحث عن أسلوب آخر . كما أن الدفاع عن النفس يكون بالصبر وعدم تعريض الحركة واخوانه للخطر ، وعدم تدنيس سجله الجهادي بالاعتراف والخيانة . ويجب أن يعِ المعتقل بشكل قاطع لا يدخله الشك أن رجال المخابرات والمحققين لا يمكن أن يكونوا أصدقاء للحركة وأفرادها وأهدافها ونشاطاتها وان تظاهروا بذلك ، وكل ما في الأمر أنهم يفعلون ما يساعدهم على تحقيق أهدافهم بالخداع أو الارهاب أو الاذلال والسحق .. فكيف يكون رجال المخابرات والمحققون أصدقاء وهم متورطون في بحار من الدماء والظلم والاعتداء على كرامة الانسان وحريته وحقوقه ، وهم يحادّون الله ورسوله والذين آمنوا ، وهم يتعاونون مع العدو الصهيوني في حربه الشاملة ضد حركتنا وأطرها وأهدافها .

6- أسلوب تعدد المحققين :-
يتخصص في أغلب الأحيان في التحقيق مع المعتقل الواحد محقق واحد أو اثنين على الأكثر بصورة مباشرة ، ويعملون تحت اشراف مسؤول والذي يعتبر من طاقم التحقيق بشكل غير مباشر ، وذلك حتى يتمكن طاقم التحقيق من السيطرة على العملية والمتابعة الدقيقة ، كما أنه لا مبرر لوجود أكثر من هذا العدد إلا في حالات محدودة وفي المراحل النهائية من التحقيق وذلك :-
1- للتأكد من النتائج التي توصل إليها المحقق أو طاقم التحقيق المباشرون للعملية ودراستها وتقيمها .
2- ممارسة نوع من التحقيق المكثف في ساعات قليلة من قبل عدد كبير نسبياً 7 أو 8 وربما 10 محققين يعملون في آن واحد وكلهم يسألون ويضربون ويمارسون كل أساليب التحقيق دفعة واحدة .
3- وأحياناً من أجل دراسة نفسية وصلابة المعتقل في محاولة للبحث عن ثغرة او تحديد الأسلوب الأجدى للتعامل معه واخضاعه .
4- وأحياناً أخرى من أجل تدريب المحققين المستجدين واكسابهم خبرات عملية ،ولكن دون اشعار المعتقل بذلك ، وانما قد يوحون اليه بأنه خطر ولديه معلومات هامة مما تطلب أكثر من محقق لمعرفة نفسيته وتقييم ردود فعله ، وارهاقه نفسياً وذهنياً .
فهذا الأسلوب يقوم على مهاجمة المعتقل من عدة جهات ومحاصرته بغية ارباكه وتشتيت أفكاره والايقاع به ، أحدهم يسأله عن اسمه ، وآخر عن الذي نظمه ، وثالث عن العمل العسكري أو الأسلحة ، ورابع يضربه بعنف ، وخامس ينصحه بمطاوعته والاعتراف ، وسادس يهدده وسابع يحدق به وينظر إليه بصمت ، وثامن يحضر أدوات التعذيب .. وهذا الوضع قد يستمر نصف ساعة أو ساعة لتحقيق الأهداف التالية :-
1- وضع المعتقل في حالة جديدة باظهار الاهتمام الزائد به وبقضيته مما يستوجب مشاركة هذا العدد من المحققين .
2- دراسة التحقيق ومجرياته عن قرب ، وذلك لتقييم المراحل السابقة بشكل جماعي .
3- بلبلة وارباك وتشتيت أفكار المعتقل وعدم افساح أية فرصة أمامه للتفكير بالأسئلة الموجهة إليه مما قد يؤدي إلى التخبط أو أن يزل لسانه .
4- وضع تقييم شامل لعملهم وللأساليب السابقة ، وتقدير موقف المعتقل بأنه ليس لديه شيء يقوله ، او انه قال كل شيء ، أو أنه قال شيئاً ولن يقول شيئاً جديداً ...
إن جولة المحققين المتعددين هي في صالح المعتقل غالباً بناء على الأهداف المذكورة أعلاه ، فهم لم يأتوا لمساعدة المحققين المباشرين بالدرجة الأولى وانما ليقولوا كلمتهم فيما يجري ، وهذه فرصة للمعتقل والمحقق معاً : فالمحقق يريد أن تحظى جهوده وتقييماته بتأييد المسؤولين والمحققين الآخرين يشاركوه تحمل مسؤولية التقييم ،وإذا أصر المعقتل على الصمود فإن موقف المحقق سيتغير لصالحه . وسيقوم بجولات أخرى أقرب إلى الحوار الفكري والسياسي ، وربما ينتهي التحقيق بعدها .
إن المرحلة التي يتعدد فيها المحققون هي مرحلة حاسمة في مسار التحقيق ليس بسبب الضغوطات والعنف الذي مورس فيها فهو عادة قليل ولفترة قصيرة نسبياً ، بل لأن حالة الصراع كانت متوازنة بين الطرفين ، أو أنها أخذت تميل لصالح المعتقل إن كان صامداً ، أو أن تكون جولات التحقيق قاربت على النهاية ، لذلك تتطلب هذه المرحلة من المعتقل الدقة والصمود لتثبيت النتائج لصالحه .
كما أن تغير المحقق أو طاقم التحقيق لا يهدف إلى اعطائهم اجازة أو راحة من العمل بل هو في الغالب ناشئ عن عدم الثقة بنجاعة أساليبهم فيما لو استمروا هم ، أو عدم الثقة بتقييم المحقق من قبل المسؤولين وهذا يترك انطباعاً معيناً لصالح المعتقل في أذهان المحققين الجدد ، كما هي علاقة بارزة للمعتقل أنه تجاوز الخطر وقد يربح المعركة أجلاً أم عاجلاً . بمعنى أن المحقققين يبدأون من نقطة فشل المحققين السابقين في حين يبدأ المعتقل من نقطة انتصاره على محققيه السابقين .
وأخيراً قد يكون تغيير المحقق من أجل ادخال خبراء في علم النفس ، أو التنويم المغناطيسي ، أو جهاز كشف الكذب لدراسة حالة معتقل والتأثير عليه ، ولكن هل هذه الاجراءات تأتي على خلفية ضعف أو فشل المحقق أو طاقم التحقيق الذي يباشر العمل في القضية .



7- تشتيت الأفكار :-
إذا كانت الممارسات والأساليب التي يتبعها المحقق تهدف إلى تحطيم شخصية المعتقل ، ونفسيته ، وصموده فإن تحطيم تماسكه ، وتشتيت اتساق تفكيره تشكل خطوة هامة لتحقيق هذا الهدف ، لأن المعتقل عندما يكون ثابتاً ومتماسكاً ومترابطاً في أفكاره فإن ردود فعله تظل واعية وتشكل سداً منيعاً يحميه من هجمات المحققين ، وهذه الحقيقة تدفع المحققين إلى زعزعة أركان المعتقل واشغال تفكيره في أكبر عدد من القضايا ، وجره إلى التفكير إلى عدد من الحلول والمخارج ، أي ترتيب سيناريو محدد للخروج من المأزق ، وتبرير العلاقات والاتصالات والسفر والخيارات المطروحة عليه ، وغالباً ما يستخدم المحقق بعض المؤشرات او القرائن أو الايحاءات العامة أو التهديد بمواجهته مع أحد المعتقلين الذين اعترفوا عليه ، وقد يوهمه بأنه أدلى بمعلومات كثيرة بينما كان نائماً في زنزانته وأنهم سجلوا كل أقواله . فإذا كان المعتقل بسيطاً ، وساذجاً أو منهاراً فإنه يلاحق كل شيء قاله المحقق بفكره وتصوراته ، وينسج من العدم خيالات وشطحات بعيدة ثم يشك في وضعه ، ثم يشك في اخوانه في الزنازين أو في الخارج ، وهنا سيتداعى سيل من التفكير السلبي ( المرضي ) في كل اتجاه ، وازاء كل فرد أو حادثة مهما كانت صغيرة ، بمعنى آخر إن استجابة المعتقل لهذا الأسلوب تجعله يفكر على وجه السرعة ودون تدقيق وتدبر بعدة أشياء متناثرة ليس بينها ترابط على الاطلاق ، ويمتد به الخيال المرضي إلى فرضيات لم تحدث معه ويعتبرها حقائق ثابتة يبني عليها تصوراته الواهمة .. في حين أن المعتقل الذي لديه مقداراً مقبولاً من الثقة بالنفس ، والوعي بحيل المحققين يدرك تماماً أن كل ما يقولونه محض افتراء ولعبة زائفة ترمي إلى تشتيت تفكيره ، وشل قدرته على السيطرة والتركيز والتي هي شرط لافشال محاولاتهم البائسة . إن سبيل المعتقل لاجتياز هذا الاختبار هو صرف اهتمامه عما يقوله المحقق ، واستنفار عناصر القوة والتماسك والفطنة في شخصيته ، والشعور بالاستعلاء عليه واظهار عدم التأثر ويمكن أن يسأله المعتقل : عن ماذا تتحدث ، ربما تقصد شخصاً آخر غيري .. لقد سئمت من تكرار هذه الكلمات التي لا معنى لها .. هل تريد أن تورطني رغما عني .. هل تعتبرني كبشاً لتحقق مكاسب وظيفية ( رتبة ، ترقية ، حوافز...) على ظهري .. هل هناك حسابات قديمة بيني وبينك وتريد أن تصفيها معي الآن .. الخ . إن التغلب على هذا الأسلوب يكمن فيادامة السيطرة على التوازن الذهني وعدم الانسياق وراء ادعاءات وافتراءات المحقق ، وصرف الانتباه عن ما يقول والانشغال في الذكر واستحضار المعاني الايمانية والجهادية التي تثري الصمود وتعززه ، وأحياناً ابداء عدم الاكتراث والسخرية بما يقوله .

8- التركيز على العواطف والقيم الاجتماعية :-
مثلما يعمل المحقق على تشتيت الافكار لدى المعتقل بهدف زعزعة صموده فانه يستفرد فيه من جهة ثانية مركزاً على الجوانب الانسانية والعاطفية والأخلاقية لديه .
ولا توجد معايير أو أخلاقيات تمنع المحقق من استخدام أي أسلوب يعتقد أنه مؤثر في صمود المعتقل ، وفي هذا الاتجاه قد يهدد المعتقل باحضار الزوجة أو الاخت أو الأم أو البنت إلى دائرة المخابرات أو الاعتداء على شرفه ، أو أن يستمر المحقق بالحديث عن البيت والأولاد والزوجة والأهل .. او توريطه في قضية زنا أو تهريب مخدرات ، أو تصويره في شكل فاضح ، او عمل دبلجة صوتيه أو مونتاج لصورة تظهر جوانب مخلة بالشرف والأدب ومخالفة للقيم الاخلاقية ...
إن مجتمعنا الاسلامي المحافظ يخشى العار ، تهمه سمعته ، لذلك فإن المعتقل البسيط أو المنهار يأخذ في البداية بالمقارنة بين ادعاءات وافتراءات المحقق من جهة والاعتراف على حركته من جهة ثانية ، ومنهم من يحاول المحافظة على شرفه المهدد أو تهمة قد توجه إليه تسقطه في المجتمع وبين أهله واصدقائه ، ويختار افشاء اسرار الحركة واخوانه وتوريط أكبر عدد منهم وكأنه يعطي المحقق فرصة أكبر للحصول على معلومات قد تدينه أكثر مما تدين الذي ألقي القبض عليهم وحقق معهم .
إن المعتقل الصلب والواعي لا تهزه هذه الأساليب اللاأخلاقية ، وتجعله يدرك كم هي الحقارة التي يتمتع بها المحقق وبالتالي يجب أن تستفز كبرياءه وصموده وتحديه ومنع الرضوخ لتهديدات المحقق ، كما يجب أن يعِ المعتقل أن الاستجابة لمؤثرات المحقق سوف تجعله يركز على هذا الأسلوب بما أنه يشكل نقطة ضعف عنده للضغط عليه وابتزازه وأخذ افادة منه قد تكون من المعلومات التي اعترف بها بقصد توريط الحركة في أعمال ونشاطات تشكل مبرراً لضربها ومطاردتها .


9- المفاجأة والصدمة :-
من المفروض أن للمفاجأة وقع خاص على ذهنية الناس وبخاصة عندما تكون غير متوقعة ، وقد تحدث بلبلة وتشويش عنده لفترة قد تطول أو تقصر تبعاً لاستعداد الناس وقدراتهم على تحمل الصدمات . والمعتقل الذي يظن أنه الوحيد الذي اعتقل من مجموعته ، وأن فلاناً تحديداً لن تطوله أيدي المخابرات ، أو أن فلاناً الذي اعتقل معه يعتبر مثالاً في الصلابة والصمود وبالتالي فإنه في مأمن من اعترافه عليه أو الوشاية به ، أو بأسرار الحركة ، ولكن كل هذه الأمور أو بعضها تسقط فجأة فإذا بالمعتقل يكتشف أنه ليس الوحيد الذي اعتقل في الضربة ، وأن الشخص الذي كان يظن أنه بعيد عن أيدي المخابرات يقيم في الزنزانة المجاورة ، أو أن الشخص الذي يعتبره مثاله في الصمود قد انهار واستسلم واعترف عليه وأدلى بمعلومات دقيقة وخطيرة لا يعرفها أحد ، ويأتي المحقق ليضعه وجهاً لوجه أمام اخوانه فإن هذا المعتقل قد يصعق ويصدم لهول المفاجأة ، ولا شك أن هذا النوع من المفاجآت يسبب صدمة قوية ، أو على الأقل تثير التشويش في ذهن المعتقل ، وهذا ما كان يهدف إليه المحقق عندما لجأ إلى ابلاغ المعتقل أو مواجهته باخوانه لفتح ثغرة في جدار صموده وينفذ فيها إلى داخله ( نفسه ) . ابتغاء الحصول على تعاونه واعترافه . واضعاً أمامه الحقيقة التالية :- انتهى كل شيء ، وما تملك الا أن تعترف وإذا كان للخبر المفاجئ أو الحدث غير المتوقع تأثير على ذهنية ونفسية الانسان بشكل عام فإنعلى المعتقل أن يكون مستعداً لكافة الاحتمالات وليكن شعاره في التحقيق ( توقع ما لا يتوقع ) أو توقع اسوأ الاحتملات ، وبدلاً من أن تثير المفاجأة استجابة فورية (الصدمة) واستعداداً للانهيار والاعتراف يجب أن تعزز الصمود الداخلي ، وتوظيف الصمود السابق في استياء الموقف المفاجئ . لأن المعتقل المعد عقائدياً وسياسياً ، والمعد نفسياً وأمنياً لمواجهة التحقيق وأساليبه لن تفوته فرصة ادراك غاية المحقق عند استخدام أسلوب المفاجأة والصدمة ، او توقيت هذا الأسلوب في لحظة أو جولة محدودة ، ومن يستطيع الصمود في مواجهة الأساليب السابقة بامكانه الصمود بجدارة بهذا الأسلوب وغيره حتى النهاية ، ولابد ان تعتمل في نفس المعتقل المفاهيم التالية :( فلان اعترف عليّ ، انه فقط اعترف على نفسه ، وهو يعبر بذلك عن نفسيته المهزوزة والمنهارة ، واذا كان فلان فعلاً قد اعترف فأنا لن تهز لي قناة ولن أرضخ لارادة المحقق وسأحمل بنفسي عبء الصمود تلبية للعهد الذي قطعته على نفسي وصيانة لأمن الحركة وأسرارها مهما غلا الثمن ) ...
إن المحقق وهو يستخدم أسلوب المفاجأة : عاطفية كانت أو سياسية أو معلومات هامة أو انهيار مسؤول أو فرد .. الخ فإنه لا يتبرع بتقديمه المفاجآت اعتباطاً ، بل هو يتَّبِع أساليب عديدة ارهابية وتشكيكية . وتهيئة أجواء نفسية معينة ثم يقدم لعبته ، ومع ذلك فإن هذا الأسلوب قابل للفشل ، لأن المفاجأة قد لا تسبب صدمة لأي معتقل بدرجة واحدة ، كما أن المحققق يدرك بأنه ليس كل معتقل يمكن مفاجأته ، وبالتالي فإن المعتقل قد يستفيد من معلومات المفاجآت ليس لكي يصدم انما لفهم وضعه في التحقيق مما يسهل عليه حسن التصرف واستمرار الصمود . وهنا لابد من التذكير بحقيقة هامة لا يجب ان تفوت المعتقل ابداً وهي أن الأفكار أعظم من الأشخاص وأن مسؤولية الاعتراف فردية يتحملها الشخص المنهار وحده ، أما المعتقل الصامد فإنه يعتبر ما حدث هو الزبد الذي يذهب جفاء ، والمختبر الذي يحلل طبيعة الناس ، وأن المحققين هم سقط المجتمع وأحقر صنف فيه اندفعوا للعمل في هذا المجال لدوافع نفسية مرضية وقذرة . وأن أسلوب المفاجآت والصدمات وغيره من الأساليب ما هي إلا مبادرة محبوكة ، وتكتيكات مصطنعة بهدف ايجاد حالة نفسية ضعيفة قابلة للتعاون والاعتراف وتهديد أمن الحركة وأطرها وأفرادها ومصيرها . والمناورة المضادة التي يشنها المعتقل تقوم على أنه ليس لديه شيء يقوله ، ولا يعرف شيئاً يقوله ...

10- أسلوب الشراء وعقد الصفقات :-
إن المحقق يحاول البحث دائماً عن حلقة ضعيفة داخل المعتقل للنفاذ من خلالها اليه وتحقيق النصر ، ومن الحلقات التي يلجأ المحقق إلى الضرب عليها هي عقد الصفقات والشراء بحيث يصور للمعتقل الصامد الذي أفشل أساليبه بأن وضعه سيء للغاية ، وأنه باق في التحقيق إلى ما لا نهاية ، وان اعتقاله سيكون طويلاً ومرتبط بقراره ولا حل أمامه للخلاص من ذلك إلا بالتعاون مع المحقق وخدمة المخابرات في التحقيق مقابل الافراج عنه بعد أن يدلي بكل ما لديه من معلومات ، ويمكن التعبير عن هذا الأسلوب التجاري الخسيس بـ ( التعاون مقابل الافراج ).
إن المحقق يلجأ لهذا الأسلوب في الغالب للتغلب على حالة الفشل التي مُني بها أمام المعتقل ، ويريد أن يظهر امام مسؤوليه بصورة مشرفة ، او في حال نجاح صفقة شراء المعتقل فإنها تكون ثغرة ملائمة ليس للحصول على المعلومات التي لدى المعتقل بل لاختراق التنظيم أو الحركة في صميمها ، أو ليكون اداة بيده لارغام معتقلين صامدين على الاعتراف واضعاف صمودهم من خلال استخدام أسلوب المفاجأة والصدمة ، والتشكيك وهز الصلات .. وسواء كان العرض هذا صورياً أو جاداً فإن المعتقل ان قبل هذا العرض يكون قد خان الأمانة وتعاون مع المحقق على اخوانه وكان سبباً في خلخلة الصف ، وارباك صمود آخرين . ولكي ينجح المحقق في تمرير هذه الخدعة والتأثير في نفس المعتقل البسيط والساذج يصور المسألة بشكل متكامل : ( تعاون معي ، وسأكتم كل شيء .. لن أعتقل أحداً ، ولن اخبر أحداً بشيء .. ستخرج .. وسنعطيك فلوساً او امتيازات معينة .. تعاون معي .. وسنكتم الأمر .. وبالتالي يمكنك أن تخرج بطلاً .. وتقول لاصدقائك أنك صمدت في التحقيق والتعذيب .. وتحملت كل الألم في سبيل الله ولم تقل للمخابرات شيئاً .. ونحن من طرفنا لن نعتقل أحداً .. فسيصدقوك .. وربما تصبح مسؤولاً كبيراً معهم ومعنا .ونحن ندبر أمر اعتقال او مراقبة الآخرين دون أن نثير الشبهة تجاهك ، ولن نعتقل أحداً الا بعد استشارتك ) .
أما اذا كان المعتقل قد اعترف جزئياً ويحتاج المحقق الحصول علىكل ما عنده فإنه يطلب من المعتقل الاعتراف بكل ما لديه وسيكون شاهداً في المحكمة وليس متهماً ، أو أن الاحكام التي ستصدر عن المحكمة لن تكون عالية ( سنة واحدة وتخرج ) .
إن المحقق لن يجد طريقاً باستخدام هذا الأسلوب إلا عند المعتقل الجبان والجاهل والمتخاذل الذي يعطي فرصة للمحقق أن يوسع الضربة الأمنية للحركة ويشل فاعليتها وضعف هامش تحركاتها .. اما المعتقل العقائدي الصلب فإنه يعتبر مجرد السماح للمحقق في سرد أكاذيبه وخدعه مساس بالتزامه العقائدي ، وخيانة للأمانة ، وتخلياً عن المسؤولية ، وتولياً في معركة التحقيق وطعناً لاخوانه في الظهر ، وهو يكون في هذه الحالة اقرب إلى عنصر الاختراق لصفوف الحركة خدمة لأهداف جهاز المخابرات الذي لا يجد حرجاً أن يبيع معلومات أو يتبادلها أو يهديها لاثبات مصداقيته للاعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ، وبما أن المحقق ومن ورائه جهاز المخابرات لا يتورع عن استخدام أي أسلوب منحط ولا يتورع عن نقض الاتفاق من طرفه واستخدام المعلومات وبذلك يكون المعتقل ألعوبة في أيدي المخابرات والمعلومات التي اخذت منه نقطة ضعف عنده للمساومة وفرض الشروط الخيانية عليه .

11- الحرق السياسي والتشهير :-
من المعلوم أن المجاهد يعتز ويسمو بالتزامه العقائدي والجهادي وانتمائه إلى حركة تجسد معاني التضحية والفداء ، ولكن لا يحصل المجاهد على هذا الشرف إلا عبر مسيرة طويلة من الكفاح والعطاء واثبات الوجود في كافة المعارك التي يخوضها ، وهو في هذا الاتجاه يأبى أن يكون مع الخوالف والمتخاذلين واللامبالين ، مثلما يرفض ان يضع نفسه في موضع شبهة مهما كان ضئيلاً ويسيراً حفاظاً على الراية التي يحملها ، ويبذل الغالي والنفيس من أجل بقائها عالية خفاقة . ولأن المحقق يدرك مدى اعتزاز المعتقل بعقيدته وجهاده ، وبذله وعطائه ، والصورة التي تكرست من خلال كفاحه ونشاطه فإنه يحاولالمس بهذا الشرف باستخدام الأساليب القذرة من اهمها التشهير والحرق السياسي ، والمخابرات تركز في استخدام هذا الأسلوب على ثلاثة انواع من المجاهدين :-
1- مجاهدون ذوو سمعه وطنية وجهادية عالية ونظيفة ومتفانية ، حيث تقوم المخابرات ببث الاشاعات عنهم بأنهم اجتمعوا معهم في امور سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك مما يوحي بوجود تفاهم بينهم وبين المخابرات .
2- معتقلون عقائديون صمدوا ولم يدلوا بمعلومات خلال جولات التحقيق معهم . والأمر هنا اكثر أهمية وخطورة لأن المعتقل يكون في وضع مغلق لا يستطيع أن يتحكم بصورة ما يصدر عنه ، وكيفية نقل كلامه إلى الرأي العام أو تنظيمه ، وهناك صورة أخرى حيث يتعمد المحقق أن يضع المعتقل في ظروف تستدعي الشبهة كأن يتداول مجموعة من رجال الأمن الحديث العادي والنكت والضحك مع معتقل صامد ويطلب من معتقلين آخرين المرور على هذه الجلسة ورؤية صاحبهم على هذه الحالة ، أو قد يكون التمييز في الرفاهية لبعض المعتقلين على حساب آخرين واعلامهم بذلك مما يثير الشبهة ويؤدي الى التشهير والحرق السياسي .
وهناك نماذج أكثر اثارة وخبثاً يعبر عنها رجال التحقيق كاسقاط بعض التهم من لائحة الاتهام عن احد المعتقلين الصامدين الذي اعتقل ضمن مجموعة وتمرير هذه اللائحة على المعتقلين الآخرين ، أو الأفراج عن واحد أو اكثر من المعتقلين وترك البقية في التحقيق مما يوحي بوجود تآمر أو تعاون بين المخابرات والمفرج عنهم وبالتالي التشهير بهم وحرقهم ، وأحياناً يلجأ المحقق الى التحقيق مع جميع أفراد المجموعة باستثناء واحد منهم ثم ينقل هذا المعتقل إلى زنزانة اخرى مما يثير الهمس واللمز والتشهير .. أو قد يفرج عن معتقل صامد في ظل ظروف معينة ومرتبة مسبقاً لحرقه سياسياً والتشهير به كأن يفرج عنه في منطقة تطوقها اجهزة الأمن أو ما شابه ذلك ، ويُلقى القبض عليه مرة أخرى بتهمة أخلاقية او تهريب وتجارة مخدرات وينشر اسمه في الصحف ووسائل الاعلام .
3- معتقلون عقائديون تنتقيهم المخابرات ليكونوا كبش فداء تغطي بهم على عملاء ومخبرين حقيقيين ، حيث يجري انتقاء معتقل صامد وتشير إلى انه هو الذي وشى أو اعترف على جماعته ، وانه متعاون مع المخابرات بالخفية وأن كل المعلومات التي لديهم أدلى بها هذا المعتقل وذلك للتغطية على المخبرين الحقيقيين .
إن المعتقل الساذج ونتيجة الهمس والغمز واللمز والمضايقة التي يجدها من أخوانه المعتقلين الذي سقطوا في شرك المخابرات وظنوا بأخيهم ظن السوء قد يلجأ إلى مقابلة أحد المعتقلين الذين يظن بهم خيراً لمظهرهم الخارجي واتقانهم للدور ويفضي له بمعلومات خطيرة وخاصة حول نشاطاته وموقعه كأدلة وبراهين على نظافته وأصالته وأنه لا يزال صامداً على العهد ، وقد يكون هذا الشخص متعاوناً مع المخابرات ويسرب معلومات إليهم تكون سبباً في ادانته أو فتح ثغرة ينفذون منها إليه .
بينما المعتقل الصلب المدرك لتكتيك المعركة التى يشنها المحققون يتحمل كل هذا الضيق ، ويحاول ان يخلص نفسه من الصراع الوهمي ويبدؤه بالدعاء الى الله تعالى بالفرج والافراغ عليه من الصبر وتثبيت الاقدام ، وما عليه الا أن يصمد ولكن هذه المرة ليس امام المحقق وانما امام اخوانه شركائه فى الدرب والجهاد 00ويظل على يقين ان المخابرات هي وراء هذه اللعبة القذرة وعليه ان يهزمهم فى عقر دارهم .
كما أن المخابرات قد يضعون المعتقل في زنزانة كبيرة نسبياً إلى جانب معتقلين ساقطين أو عملاء مدسوسين يمثلون أدواراً لعناصر من تنظيمات إسلامية أو فلسطينية أخرى أو من التنظيم الذي ينتمي إليه في صورة مصغرة عن " غرف العار " أو العصافير في سجون الاحتلال فيحاول هؤلاء اظهار وطنيتهم ونشاطاتهم ويتهمون المعتقل بأنه عميل وصنيعة للمخابرات فيعملون على مضايقته ، ويطلبون اخراجه من عندهم لاثبات وطنيته ومصداقيته فتؤخذ أقواله وترسل جاهزة إلى المخابرات حيث يواجه بها عند التحقيق معه ...
إن الرد العملي على هذا الأسلوب المشين الذي تشهده المخابرات مع المعتقل هو صموده وعدم اهتزازه قيد انمله ، والمحافظة على أعلى درجات السرية التي هي عماد العمل الجهادي ، وطرد من يحاول أن يؤثر على نفسيته ويشوش ذهنه او يشوه اخوانه وقيادته ، ولو يتيقن أن واحداً منهم أو أكثر قد سقط في امتحان التحقيق وليتذكر قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، وأن المؤمن يربط موقفه ومسيرته ومصيره بالله تعالى وليس بالأشخاص حتى لو كانوا أنبياء { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على اعقابكم ، ومن ينقلب على عقبية فلن يضر الله شيئاً } وانما يضر نفسه بالدرجة الأولى واخوانه الآمنين بعده .

12- جهاز كشف الكذب :-
مع أن هذا الأسلوب يمكن أن يندرج تحت الأساليب العصبية إلا أنه وبسبب كونه نوعاً من اللعبة فهو ذو آثار نفسية يهدف إلى الانخداع الذي يسبب الزعزعة والمحاصرة وكأن الأمر انتهى ولم يبقَ سوى الاعتراف .
ما هو جهاز كشف الكذب :-
ليس المقصود هنا وضع تركيبة الجهاز من الناحية الميكانيكية وانما التركيز على وظيفته ودوره في التحقيق. فبالرغم من ندرة استعماله إلا أنه موجود ومن ضمن امكانات أجهزة التحقيق . وهو عبارة عن آلة مركبة وظيفتها قياس خصائص ونشاطات فيزيائية في الجسم مثل درجة الحرارة ، والضغط ، دقات القلب .. إنه كأي جهاز طبي ولكنه يستعمل بناء على تقديرات تفيد بأن الترددات ستتغير إذا تعرض الانسان للاحراج او الارباك أو اية آثار داخلية .
وفي الوضع الطبيعي فإن الذي يجهد نفسه بحمل شاق او ممارسة رياضية معينة كالركض مثلاً .. أو الانسان الخائف من شيء ما تزداد دقات قلبه ، وربما ترتفع حرارة جسمه ، ويتصبب عرقاً ويزداد ضغطه .. هذه النتائج الطبيعية تستغل عند التحقيق بعد الايحاء له بانه سيوضع على جهاز كشف الكذب الذي سيبين إذا ما كانت اقواله صحيحة أم كاذبة . فيوضع المعتقل على الجهاز ويتم وصل أطرافه وجسمه وأذنيه بأجهزة متعددة وهي :
1- جهاز قياس ضغط الدم 2- جهاز قياس دقات القلب 3- جهاز قياس الومضات العصبية والعضلية في الأصابع 4- جهاز قياس درجة الحرارة واختلافها 5- جهاز قياس التنفس . ثم يشغل الجهاز ويكون المعتقل في جو وطبيعة ملائمة ومؤثرة ويبدأ الجهاز قياس الظواهر الفيزيائية في الجسم في ضوء توجيه بعض الاسئلة العادية جداً مثل اسمه ، عمله ، تعليمه ، هواياته ، ثم ينتقل للسؤال عن مسائل أخرى تتصل بانتمائه ونشاطه وعلاقاته .. ويقوم الجهاز بتسجيل الاشارات الواردة عن الجسم ( كردود فعل ) ثم يجري مقارنتها ودراستها ولو بصورة شكلية . وتقوم آلية عمل الجهاز على اساس أن بعض الاسئلة لا تحدث انفعالات داخلية وبالتالي اشارات على الجهاز وبعضها الآخر سيحدث درجات متفاوته من التغيير ، ومن المفترض ان الاسئلة ذات الصلة بالقضية قيد التحقيق ستؤثر في درجة ثبات أو عدم ثبات المعتقل . وتغير الاشارات ذات الصلة بالقضية سيعمل المحقق على استعمالها كذريعة يجابه بها المعتقل .
كيف نفشل عمل الجهاز عن قصد :-
يمكن افشال عمل الجهاز من خلال وعي وانضباط المعتقل بشكل أساسي ومن ذلك أن يعِ بأن هذا الأسلوب هو جزء من اللعبة والخدعة التي يستخدمها المحقق للنيل من صموده والحصول على اعترافاته ،وان يدرك أن هذا الجهاز كغيره من الأجهزة الطبيعية الكثيرة الموجودة في العيادات والمستشفيات ولا داعي للخوف أو الارتباك . وان عدم ادراك هذه الحقيقة وجهل المعتقل لها تكسب خطة المحقق مصداقية ، في حين ان الجهاز غير قادر دون ارادتنا على كشف خفايا نفوسنا وأفكارنا ، نضيف الى ذلك أن النتائج التي يجب أن تظهر لابد أن تكون دقيقة حتى تعطي مؤشرات يمكن الوقوف عندها ، كما يجب على المعتقل ان يتحلى بالهدوء والسكينة وعدم الالتزام بتعليمات المحقق أو الخبير كأن يطلب منه النظر باتجاه نقطة محددة أو عدم تحريك جسمه أو اصابعه أو التفكير بقضاياً خارج نطاق الاسئلة ، او كيفية الاجابة على الاسئلة ، ونحن قادرون على ان نجعل الجهاز يسجل اشارات تخالف رغبات الخبير أو المحقق بأن يبذل جهداً ما بدلاً من السكوت عن السؤال عن الأشياء العادية ، أو تذكر او تفكر في اشياء تبعث على الراحة وتثير الاعصاب على هوانا .. وكما قلنا بإمكان المعتقل أثناء الاجابة على الاسئلة العادية تحريك القدم ، او أصابع اليد ، او زيادة سرعة تنفسه او احداث اي شيء يسبب التوتر ، والأهم من كل ذلك أن يتاكد المعتقل أن هذا الجهاز يستخدم للخداع والتضليل بالدرجة الأولى، ثم للتأكد من فرضيات المحقق حول المعتقل ، وفي هذا الجانب يجب أن تقود المحقق الى الاتجاه الذي نراه ملائماً لنا ونربك فرضياته وتصوراته ما أمكن .



13- التنويم المغناطيسي :-
لم يحدث من قبل أن استخدام هذا الأسلوب ، بل أنه نادر الاستعمال في جميع بلدان العالم وذلك لأن المنوم مغناطيسياً لا يتصرف وفق ارادته ووعيه وانما وفق ارادة المنوم . وأن التنويم المغناطيسي ليس مرتبطاً بالمنوم بل يمكن أن يعجز عن تنويم المعتقل أو يزول التنويم لأي سبب ، كما يجب أن تكون لدى المنوم معرفة دقيقة جداً وسلفاً عن ما لدى المعتقل والاشياء التي عليه البحث عنها الى آخر هذه المعطيات ، بمعنى آخر إن نجاح عملية التنويم مشكوك فيه من البداية . وإذا علمنا ان فلسفة الاعتراف والسقوط يحدثان نتيجة توفر استعداد داخلي عند المعتقل مهما كان وضعه النفسي أو أنواع وأساليب التحقيق المستخدمة معه فإننا نؤكد بأن التنويم المغناطيسي لا يمكن أن يحقق مفعوله إلا إذا كانت درجة الاستعداد للخضوع والاستجابة اكثر وأشد . لذلك فإن نجاح خبير التنويم متوقف إلى حد كبير على عنصرين : الأول عدم اخبار المعتقل بأهدافه ومراميه . والثاني تهيئة المعتقل بشكل تام للخضوع والاستسلام أمامه . أما إذا ادرك المعتقل هذه اللعبة فإنه من الصعب بمكان ان يحقق هذا الأسلوب نتائج .




ب) الأساليب العصبية :-
من المعروف أن الأساليب العصبية تؤدي إلى التأثير على الحالة العصبية للانسان ، وهي تؤثر بالتالي على حالته النفسية ، وفي الجسم يرتبط الدماغ بالاعصاب المتفرعة إلى بقية الاجزاء حيث توجد الاعصاب المتصلة مع بعضها البعض كوحدة للجهاز العصبي الذي نهاياته ومركزه في الدماغ ، فالعصب البصري مثلاً يربط العين بالدماغ ، وعصب الحس التي تربط الجلد بالدماغ ، وكذلك عصب السمع في الجهاز السمعي ، وهذه أهم الاعصاب التي تتعرض للتأثير أثناء التعذيب العصبي . والدماغ يمكن التأثير عليه من الخارج مباشرة كأن يتعرض الرأس إلى صدمات عنيفة ، أو بواسطة الأجهزة العصبية فتتعرض الأعصاب للاعياء وبالتالي يتعرض الدماغ للتعب وهذا يجعله يتوقف عن العمل جزئياً للاستراحة لفترة ثوان ، أو يتضاءل نشاطه لفترة حتى يستعيد حالته الطبيعية ، هذه الفترة قد تطول أو تقصر حسب الحالة ، وإذا كانت الحالة شديدة فإن الانسان يحتاج إلى النوم أو الى السوائل أو الدفيء أو البرودة .. وهذه الحالات التي يحاول المحقق أن يوجدها في المعتقل حتى يكون ضمن حالة ملائمة قابلة للانهيار والابتزاز وانتزاع المعلومات منه . وحتى يصل إلى هذه الحالة فإنه يستخدم عدة أساليب :-
1- الضرب الشديد والرتيب والمركز على أطراف الاعصاب مثل أصابع اليد والقدم والأذن والعين والشفاه والأعضاء التناسلية والمناطق التي فيها غدد حساسة ، وهذه ظاهرة عامة ومستخدمة باستمرار في التحقيق ، حيث يقف المحقق خلف المعتقل ويأخذ في ضربه بكلتا يديه على أذنيه ولمدة طويلة وبشكل متواصل ، ثم ينتقل في الضرب على الشفاه ، وباستخدام العصا يأخذ في الضرب على أصابع اليدين ثم القدمين ، وبعصا غليظة يأخذ في الضرب على الاعضاء التناسلية .. ويظل المحقق ينتقل بنظام معين في الضرب هنا وهناك طوال جولة التحقيق أو بعدها في الحلقة أو الساحة مثيراً جواً من الوحشية والارهاب مصحوبة بالتشكيك والتضليل ومختلف المؤثرات النفسية . ومع الاستمرار في الضرب على اعضاء الجسم المختلفة المرتبطة بالاعصاب تقوم بارسال اشارة الى الدماغ فيظل يقظاً ونشيطاً ومع الاستمرار يصل الى درجة الارهاق ونشاطه في الفتور وهذا ينعكس على الحالة النفسية .
2- التأثير المزعج على حاستي السمع والبصر ، كاستخدام الأصوات حيث يتعرض المعتقل رغما عنه لسماع أصوات مزعجة رتيبة ومتكررة ، او فتح بوابات الزنازين واغلاقها بقوة ، واصوات المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب ، وغيرها ، كاستخدام الأضواء المبهرة وتسليطها على المعتقل في زنزانته ليلاً ونهاراً لحرمانه من النوم وتهييج الاعصاب البصرية باستمرار ، ومشاهدة الدماء ومظاهر التعذيب الوحشية أمام عينيه .
3- ربط المعتقل لساعات طويلة أو توقيفه على رجل واحدة أو الشبح أو جعل رأسه للأسفل ورجليه للأعلى وهكذا.
4- تجويع وتعطيش المعتقل أو تعريضه للبرودة القارصة أو الحرارة الشديدة .
5- استخدام بعض العقاقير الطبية او الحقن بالمواد المخدرة أو وضعها في المشروبات بحيث يصل إلى حالة من الهلوسة .. لتضليل المعتقل والادعاء أنه قدم للمخابرات كل شيء وهو في تلك الحالة لبلبلة افكاره وزعزعة نفسيته وتركه نهباً للظنون .
6- عزل المعتقل في زنزانة انفرادية واهماله وعدم استدعائه للتحقيق لمدة طويلة نسبياً ، وتركه فريسة للوحدة والملل ، ونهباً للقلق .
ويمكن القول ان مجمل الأساليب العصبية هي نوع من غسيل الدماغ ، ووسائل لهذه الغاية ، فهي تهدف إلى اضعاف نشاط الدماغ بحيث يسهل على المحقق ان يمارس تأثيره في وضع يكون فيه المعتقل أشد قابلية للتلقي .. وقد تستمر عملية غسيل الدماغ بعد مرحلة التحقيق بهدف ازاحة المواقف السابقة للمعتقل وتعبئته بمواقف جديدة وذلك بإلقاء المواعظ والتشكيك بالحركة وقيادتها وافرادها واحيانا باعتماد الشواهد والادلة السياسية والحركية .

إن الأساليب العصبية والنفسية ما هي إلا اشكال لممارسات المحققين في أقبية التعذيب تمارس وفقاً لخطط مدروسة ومجربة ، أو تجرب وفقاً لأفتراضات يصوغها رجال التحقيق عن شخصية ونفسية المعتقل بعد دراسة حالته أو في كل مرحلة من مراحل التحقيق ، وأن صيغ التعذيب الجسدي والنفسي والعصبي تعبر بشكل جوهري عن معركة المحققين مع المعتقل ابتداءْ من غاية الحصول على الاعترافات كمعلومات عن الحركة وأطرها وأفرادها ونشاطاتها وعن المعتقل نفسه كمادة للادانة وتوجيه الضربات الأمنية لها ، وانتهاء بالمساس بشخصية المعتقل بوصفه مجاهداً وتعريضه للهزات والهزائم المعنوية ، وتعريض الحركة لنفس النتائج .
إن المجاهد يجب أن تتشكل لديه قناعة راسخة بأن الزنزانة ليست جنة عدن ، بل هي قبر للأحياء ، وأن التحقيق ليس نزهة بل هو الجحيم ، وهذا مما يجعل الاستعداد للصبر أمر هام وأن ما يتعرض له المعتقل ليس مقصوداً لذاته بل لابتزازه والضغط عليه وانتزاع الاعترافات وافشاء الاسرار ، والحل الوحيد هنا هو الصبر والتحمل ، والصمود وعدم الرضوخ للابتزاز ، وان ثوران الاعصاب لا ينتج عن العوامل الخارجية وحسب بل بتفاعل مع العوامل الداخلية ( العقيدة ، الاستعداد ، الاعداد ...) فالصائم يتعرض للجوع والعطش في الصيف ولكن هذا لا يدفعه للافطار لأن هناك عقيدة ودافع ذاتي يمنعه من ذلك ، فبمقدار ما يكون المعتقل قادراً على تصعيد العوامل الداخلية ( العقيدة ، والتربية ، والاستعداد للتضحية ، واستذكار تجارب السابقين ... ) فإنه يستطيع أن يواجه التحديات الكبيرة التي تواجهه ، ولا تدفعه للتساقط والانهيار والاضرار بأمن الحركة وأطرها وافرادها واسرارها .‎..



( مفاهيم عامة )

بعض المبررات ( الذرائع ) الزائفة للاعتراف :-
غالباً ما يعمل بعض المعتقلين الذين سقطوا في امتحان التحقيق ، وانهاروا امام المحقق وأدلوا بما لديهم من معلومات وأسرار تمس أمن حركتهم وأطرها وافرادها ونشاطاتها إلى تبرير السقوط والانهيار وتقديم المعلومات واسقاطها على مفاهيم معينة ، أو اشخاص أو خلل تنظيمي أو أمني .. ويبعد نفسه كثيراً أو قليلا كعامل أساسي في ما حدث ومن أهم هذه المبررات :-
1- العيب والشرف :-
ذكرنا سابقاً ان المحققين إما أن يستندوا في استخدامهم لأساليبهم في التحقيق والضغط والابتزاز على خلفية ( تصور ) محددة تتم تكوينها عن المعتقل من خلال سيرته الذاتيه أو تقارير المخبرين والعملاء او من خلال الفرضيات العامة التي يضعونها ثم يعملوا على اختيارها وتجريبها من ذلك ان يطلب المحقق من المعتقل أن يخلع ملابسه كاملة كما خلقه الله ، أو يطلب المحقق منه تقليد صوت امرأة فاسقة أو صوت حيوان معين كالحمار أو الكلب وما شابه ذلك ، والأهم من ذلك يهدده باحضار أخته أو زوجته أو أبنته وانتهاك عرضها ، أو تهديدهم بممارسة اللواط معهم ، فعلى الرغم من أن هناك تفاوت بين أجهزة المخابرات في استخدام هذا الأسلوب بناء على الخلفية الاجتماعية للمجتمع ، والخلفية الدينية للمعتقل إلا أنه يبقى وارداً بدرجة أو بأخرى ، وهنا يكون المعتقل في صراع بين ( العيب والشرف ) الشخصي والاجتماعي . و ( العيب والشرف ) الفكري والحركي . وهنا نقول أن المعقتل لا يتوقع أن تقدم له باقات ورد في أقبية التحقيق ، وأن هدف المحقق هو عصر المعتقل كالليمونة ثم رميه في مزبلة التاريخ خاضعاً منهاراً ، نهباً للقلق وتأنيب الضمير وجلد الذات .. أو الارتداد عن الفكرة التي جاهد من اجلها ، وهو في سبيل ذلك يفعل كل ما تجود به قريحته العفنة ، ونفسيته القذرة ، فهل يتعاون المعتقل مع المحقق إذا وجه إليه شتائم بذيئة وكلمات مخلة بالشرف لأنه من العيب والعار أن يستمر المحقق في تكرار هذه الاسطوانة القذرة ؟ وهل يركع المعتقل مقابل التهديد بانتهاك العرض والشرف أو غير ذلك .. ويضع ما في جعبته من أسرار ومعلومات وربما كان هو السبب في تراكمها لهذا الحد نتيجة فضوله وحب استطلاعه على قضايا وأسرار لا تعنيه ؟!! وهل يعتقد المعتقل أن ينتهي الأمر عند الاعتراف وحسب أم أن انهياره سيشكل خطوة تمهيدية لما بعدها والمخفي أعظم ؟!! وإذا سقط في هذا الامتحان وأدلى بمعلومات عن حركته واخوانه ألا يمكن أن يستخدم الأسلوب نفسه مع اخوانه وتهديدهم في النقاط الحساسة التي يعتقد المحقق أنها مقتلهم ويهددهم بنفس الطريقة في عرضهم وشرفهم ؟! أم على المعتقل أن يوقف هذا المسلسل الآثم بالتضحية ( بالعيب والشرف ) مقابل حماية أمن حركته وأسرارها ، وشرف بقية أخوانه وأعراضهم .. إنها معادلة صعبة ولكنها يسيرة إذا قيست بما بعدها .. فلتتذكر ماذا فعل مشركو مكة بسمية أم عمار .. وهل صدها ذلك عن دين الله ! علماً بأن الأمر لا يتجاوز التهديد وحسب في بعض أجهزة المخابرات ، ولكن لنوطن انفسنا على التضحية بالشيء اليسير مقابل الشيء الكبير .. إن المعتقل الذي يتشكل لديه الاستعداد للاعتراف سوف يعترف ولن يصمد حتى لو استخدموا معه ابسط الأساليب ، ولكن المعتقل الصلب فلن يعترف ولو دفع حياته وعرضه ثمناً لذلك .

2- التعذيب والصبر :-
في حكم العادي أن يتعرض المعتقل لأنواع مختلفة من التعذيب والضغط الجسدي بل أشد أنواع التعذيب أحياناً ، وتتناسب شدة التعذيب طردياً مع قوة الصمود فكلما ازداد المعتقل صموداً ازدادت محاولات المحققين لكسر هذا الصمود وانفاذ صبره واسقاطه في مستنقع الاعتراف . فمن المعتقلين تعرضوا لجولات تعذيب قاسية وطويلة دون أن ينبسوا ببنت شفاه بل ازدادوا صموداً وحقداً وتحدياً ، وهناك من انكسر صمودهم بعد جولة أو عدة جولات من التعذيب ولدى تفسير سبب الاعتراف ، يقول : شدة الضرب والتعذيب ( عذبوني ، كسروني ، حطموني ، لم يكن أمامي خيار سوى الاعتراف ... ) على ماذا تدل هذه الاجابة ؟ فبدلاً من أن يصمد المعتقل في التعذيب في هذه الجولة التي ربما تكون الأخيرة وغالباً ما تكون شديدة وقاسية ليخرج صامداً كانت هذه الجولة موعداً لسقوطه وعنواناً لتبرير اعترافه .. وكان المفروض أن يقول المعتقل لقد عذبوني ، كسروني ، حطموني لكنني لم اعترف وليس العكس ، والآن تقول هل اعترف المعتقل لأن صبره نفد ؟ إن الصبر قوة معنوية موجودة عند كل انسان ، وهو يغذي نفسه بها في أي حالة وازاء اي موقف وبالنسبة الملائمة للموقف استناداً إلى ايمانه العميق ووعيه الدقيق ،إن الصبر وقود روحي لا ينضب { واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } ، وان الصبر مرتبط بالارادة ، فإذا كانت الارادة مبنية على الصمود والتحدي فإنها لن تلين ، اما إذا كانت مبنية على جرف هاو فإنها تنمي رغبة داخلية لوضع حد للتعذيب ورفع راية الاستسلام وافشاء الاسرار والنكث بالوعد وخيانة الامانة { ولا تخونوا أماناتكم } وهل انتصر المسلمون إلا بالصبر وتحمل الألم والمعاناة وتجشم الصعاب ، وهل ولد تاريخ جديد أو نقلة نوعية خارج رحم المعاناة {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } ، { ام حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } .
إن المحقق يملك أن يضرب ويعذب ولكنه لايملك أن يحرك اللسان ويدفع المعتقل للانهيار وهذا هو جوهر الموضوع .

3- مسكوا عندي .. ضبطوا بحوزتي :-
عندما يخرج المعتقل من التحقيق يسأله أخوانه : لماذا اعترفت ؟
فيجيب : لم يكن أمامي أي مهرب فقد ضبطوا بحوزتي منشوراً ، كتاباً ، وثيقة ... ، ولماذا اعترفت ؟ لم أستطع اخفاء شيء فالحقائق دامغة .. واجهوني بمعلومات مؤكدة ... وهل يوجد في المنشور أو الكتاب ما يدل على أنك تنتمي الى الحركة أو أنك تعمل في الاطار الفلاني أو تقوم أو قمت بنشاطات محددة . فيجيب : لا ، ولكن لم أجد سبيلاً إلى اخفاء شيء ! .
إن بعض المعتقلين السذج يعتبر أن مجرد ضبط أي وسيلة لديه يعني أن ذلك يكفي لأن يكون مبرراً للانهيار امام المحقق والبوح بكل شيء ، واحياناً التبرع بمعلومات لم يُسأل عنها ابداً ضد اخوانه وحركته وامكاناتها ولافتاتها .. فبدلاً من أن ينكر حتى وجود الوسيلة ( منشور ، كتاب ، وثيقة ... ) أو يدعي أنه وجدها في الشارع ولا يعرف عنها شيئاً يعتبر نفسه سقط ، فكيف لو ضبطوا بحوزته رسالة سرية معنونة أوديسك أو ادوات فكيف سيكون الأمر ؟!!! .
ليس صحيحاً أن المستمسكات المادية مبرراً للانهيار والسقوط فهذه مسائل يمكن تبريرها بل من الأفضل انكارها حتى لو ضبطت في البيت او الجيب او السيارة لأن افضل وسيلة لقفل الملف هي عدم فتحه نهائياً ، وانكار ما هو بائن حفاظاً على ما هو مخفي ، وهناك تجارب عملية جلية في هذا الأمر وأصحابها لا يزالون أحياء بين ظهرانينا ، هناك من أنكروا وصمودا في الانكار بل ادعوا أن المخابرات هي التي وضعتها دون علمه لتوريطه او لغاية في نفس يعقوب قضاها ، وهناك من أدعى أنه وجدها في مكان ما ولا يعرف شيئاً عن مصدرها وغايتها ، ومنهم من أنكر صلته اصلاً بما مسكوا لديه . استناداً للزعم الذي يردده المحققون دوماً لاظهار قوة جهازهم الأمني (أننا نعرف كل شيء ، ونستطيع أن نفعل كل شيء ، امكاناتنا هائلة ..) وإذا كان المجاهد لا يستطيع التملص من المستمسك الذي وجد بحوزته ، فلماذا يخبر المحقق بعلاقات ونشاطات وأسماء وغير ذلك لم تكن معلومة لديهم ، ويتبرع بها إليهم تحت ذريعة التعذيب والضرب . إن الانسان الصلب هو الذي يصمد في الموقف الصعب ،بينما الانسان الذي غذى ارادته بحيل المخابرات وأساليبهم الزائفة ، ويبحث عن مبرر للتهاوي والسقوط وافشاء الاسرار فهو انسان ركيك ضعيف يُخشى عليه من الخيانة والنفاق .

4- فلان قال كل شيء ...
قلما تعتقل أجهزة الأمن شخصاً نتيجة جهد استخباري منظم ، وفي أغلب الاحيان يحدث ذلك من غير ترتيب مسبق أو بسبب خطأ صارخ وقع فيه المجاهد لفت به أنظار الناس أو بعض المخبرين فكان هدفاً لهم ..وبالرغم من أن التحقيق في مثل هذه الحالات يكون محدوداً ومحصوراً في دائرة معينة إلا أن المحقق يحاول استفزاز المعتقل باسئلة بحكم تجربته لعله يحصل على شيء ما في ضوء ما يسمى ( بالتحقيق الافتراضي ) .. وهنا يظهر معدن ووعي المعتقل فإما أن يكون جداراً صلباً عصيّاً على الاختراق بقليل من الصمود والصبر ، وإما أن يكون ثغرة هشة في جسم الحركة يعمل المحقق على اختراقها والتغلغل من خلاله إلى أسرارها .. وأحياناً يواجه معتقل بعد تحديد انتمائه بمعلومات اعترف عليها معتقل سابق فتكون سبباً في انهيار واعتراف هذا المعتقل ، بما أن فلان اعترف فلا يمكن الصمود ، وهي معلومة موجودة عندهم فلا داعي لانكارها .. ومن خلال هذا الوعي والتبرير الساذج ينفرط عقد التنظيم واسراره ، في حين يمكن للمعتقل الثاني أن يصمت وينكر أي صلة أو علم له بأي شيء ، أكثر من ذلك فيمكن أن يتحمل المعتقل مزيداً من المسؤولية والتضحية من أجل الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه ويمنع استمرار حالة التقهقر السابقة ...
إن ظاهرة الاعتراف السهل لأن فلان اعترف أو اعترف علي أو قال كل شيء قد شكلت غطاءْ ممزقاً لعدد من المعتقلين الذي اعترفوا بما عندهم عن اخوانهم ، في حين كان المفروض أن يقوم المعتقل بتكذيب هذه المعلومات ، وتضليل المحققين وتشويهها قدر الامكان بدلاً من تأكيدها أو تحديثها أو تنظيمها أو الزيادة عليها حماية لأمن العمل وأداءاً للأمانة .



5- وجدت كل شيء أمامي :-
يكتب أحدهم في بداية تقريره الاعتقالي العبارة التالية : ( اعتقلوني ، لا أعرف لماذا ، ولا أعرف أي سبب لاعتقالي ، قلت في نفسي مهما يكن فلن اعترف لهم بشيء ، وعندما جلست امام المحقق ، وجدت أنه يعرف كل شيء ، فكرت في نفسي وقلت لا فائدة من الانكار ما دام كل شيء مكشوفاً ) ، فالصورة في ذهنه أن لدى المحقق معلومات ، وسواءاً أنكرها أو أدلى بها سيان ، فالمحقق يعرف كل شيء ولن يضيف إليه شيئاً ، أي انه غير مسؤول عن كشف الأسرار من جهته ، كما أن موقف المحقق قوي ويستند إلى حقائق ومعلومات ، وبالتالي لماذا لايتم اختصار الطريق من البداية والاعتراف بدلاً من البهدلة وسواء كان هذا الموقف الذي كونه المعتقل وقع فيه بسبب خوفه أو سوء تقديره للأمور أو جهله وسذاجته أو انطلاء حيل المحقق عليه فإن النتيجة النهائية واحدة وهي ( انه انهار واعترف ) .
إن المحقق قد تكون لديه معلومات جمعها بالتحري أو لوقوع وثائق بيده ، او لوجود اختراق أو لاعتراف معتقل سابق .. ولذلك استخدموا معه ( أسلوب الايحاء ) الذي ينطبق على كل الناس أمثاله .. فكيف يصل شخص إلى التحقيق دون أن يحقق معه مهما كانت التهمة بسيطة ، ولكن المحقق يحاول أن يرمي صنارته في مكان أو أكثر معتمداً على خبرته وخداعه لعله يصطاد شيئاً يقوده إلى نتيجة معينة .
دور المعتقل في مثل هذه الحالة هو الصمت أو الانكار القطعي وليس الوقوع في الفخ بعد الاستماع لبضع جمل أو تهديدات ، فإذا كان اعتراف المعتقل غير لازم كما يحاول المحقق الايحاء ، فلماذا التحقيق إذن ؟ وإذا كان انكاره لا يؤثر على وضعه فلماذا يضغط عليه ويصر على الاعتراف ؟ إن الانكار والتكذيب والصمود هي العناوين الرئيسة المطلوبة في مثل هذه الحالات ، واما الرضوخ والانهيار والاستسلام فهي عناوين لا وجود لها في قاموسنا ، كما أن حيل وألاعيب المحققين يجب أن تكون مكشوفة امامنا ولا عذر لأي منا إذا ادعى أنه اعترف لأنه وجد كل شيء امامه ، بل العكس من ذلك فهناك من يعمل على تحطيم الصورة الموجودة لديهم عن الحركة وأفرادها ونشاطاتها يحميها من المعلومات التي أفشى بها منهار .

6- لم اعترف إلا على فلان .. اما الباقي فلا أدري من اعترف عليهم :-
إن الاعتراف على الغير أو على أسرار الحركة سواء كان الاعتراف كبيراً أو صغيراً في تقدير المعتقل فإن المخابرات تعتبر نفسها قد أمسكت بطرف الخيط ، وستظل تشدد كلما أمكنها ذلك سواء كان بالاعتقال الجماعي والمتتابع أو بالاختراق المباشر وغير المباشر . ولهذا لا فرق بين الجندي الذي قتل برصاصة أو بألف رصاصة ما دام فارق الحياة ، كما لا فرق بين أن تتلقى الحركة ضربة على يد عميل أو على يد أحد معتقليها علماً بأن الضربة على يد الأعضاء أشد قسوة وايلاماً . فقد يرى معتقل ان يعترف في التحقيق وبناء على تقدير أو سيناريو خاطئ على أحد أخوانه ظناً منه انه بهذا العمل يوجه ضربة خفيفة للحركة مقابل حماية بقية الافراد ، ولكنه لا يعرف أن المحقق عندما يمسك بطرف الخيط لا يتركه بسهولة ، فقد يعتقل الشخص الذي اعترف عليه وتتوسع الثغرة ويتعمق الخرق على التوالي لتكون المحصلة ضربة أمنية كبيرة جداً . وعندما يسأل المعتقل الأول عن ماذا اعترف يجيب بزهو "لم اعترف إلا على واحد ( فلان )" ، ولا يدري كيف جاء الآخرون ، انه يحاول التملص من مسؤوليته عن الاعتقالات التي طالت جماعته ، وإذا ما دون المعتقل افادته هذه ووقع عليها فإنه يكون أدان نفسه وجر معه غيره وهكذا وهو لا يدري أنه المسؤول رقم واحد عن كل هذه الضربة بسبب ضيق أفقه ، وضحالة وعيه ، وسوء تقديره الأعرج .
إن من الاثم بمكان أن يشِ المعتقل بالغير ويدفع بهم إلى مخالب المخابرات بنفسه ليكون عرضة للتعسف والتعذيب ويعرض الحركة كلها للعدون .

7- سيناريو انتاج المعلومات كأنها اعترافات سابقة ليس له علاقة بها :-
قد يحاول بعض المعتقلين سواء بدوافع ذاتيه لتغطية انهيارهم واعترافهم ، او بتوجيه من المحقق لحماية مصادر المعلومات والامعان في تضليل الحركة . أن يُعلم اخوانه بأن المحقق واجههه بمعلومات يعرف أنها مؤكدة مئة بالمئة ، ورغم أنه حاول انكراها في البداية إلا أنه لم يستطع انكارها بعد التعذيب والتأكد منها لديهم ، فبدلاً من أن يصدق أخوانه القول ويعترف اليهم بشجاعة أدبية موازية لانهياره امام المحقق فإنه يقوم بخداعهم ويخبرهم أن المعلومات التي ذكرت في افادته لم يبادر هو الى الادلاء بها ولكنه فوجيء عندما علم أن المحقق يعرف كل شيء عنها واطلعه عليها فاضطر تحت ضغط التعذيب الشديد بتأكيدها فقط . أي أنه لم يقلها هو وأنما وجدها أمامه .
إن هذا أسلوب هابط وخسيس يقوم على اساس تضليل الحركة وخداعها والكذب على اخوانه لينفذ بفروة رأسه من عتابهم وتأنيبهم له ، فلا يتعاون مع اخوانه ويقول الحقيقة كما تعاون وانهار وتخاذل امام المحقق ، أن مثل هذا الصنف يجب أن يعاقب ويخرج من الصف ويحذر منه .
وهناك معتقلون يحاول المحقق أن يرسم له السيناريو الذي يجب أن يبلغه لاخوانه إذا سئل أو طلب منه كتابة تقرير وهذا السيناريو يركز على معلومات محددة ، ويخفي معلومات أخرى أكثر أهمية لتكون مصيدة لمعتقلين مغفلين يأتون بعده وغالباً ما تكون هذه في مرحلة انهيار المعتقل كلياً واستسلامه للمحقق أو في شكل صفقة وهمية أو حقيقية بينهما ، كأن يقول المحقق للمعتقل إذا خرجت واتصلت بك الحركة وسئلت عما اعترفت عنه ، فأخبرهم أنك قلت كذا وكذا ، أي اعتراف جزئي وبسيط ، وعدم اخبارهم عن غير ذلك هو الأعظم والأخطر . وهناك من ينصاع لتعليمات المحقق ويمارس هذا النوع من الخداع على اخوانه لأن الخوف والخيانة امتلكا عليه قلبه ، وغدا تحت تأثير سيطرتهم وسطوتهم سواء كان معتقلاً في الزنازين وفي اقبية التحقيق أو كان خارجها .

توجهات عامة

1- يفترض في المعتقل العقائدي أن يتخذ سياسة مبدأية مع المخابرات واطقم التحقيق تقوم على الانكار والصمود والثبات إلى آخر لحظة وحماية أمن وأسرار حركته وأطرها وأفرادها مهما غلا الثمن ، فأمن الحركة من أمن أفرادها ، وانت على ثغرة من ثغر العمل فلا يؤتين من قبلك ، وصمودك هو قدوة تحذى ، ونهج عملي يدعم صمود الآخرين.

2- إذا اضطر المعتقل وفي ظل ظروف قاسية جداً ، وصراع عنيف للاعتراف عن أشياء سواء كانت ضمن سيناريو مخطط مسبقاً وبشكل جيد أو جزء من الحقيقة فيجب ان يحصرها في أضيق نطاق وفيما لا يضر بأمن واسرار الحركة وأطرها وأفرادها .

3- إذا اضطر المعتقل وفي ظل ظروف قاسية وصراع عنيف للاعتراف عن اشياء بشكل جزئي أو كلي واستطاع التراجع عن اعترافاته فيما بعد فليفعل ولا يتردد مطلقاً في اتخاذ هذه الخطوة .

4- إذا اضطر المعتقل وفي ظل ظروف قاسية وصراع عنيف للاعتراف عن اشياء بشكل جزئي أو كلي واستطاع الا يوقع على افادته فليفعل ولا يتردد مهما كانت التضحية فإنها فرصة أخيرة أمامه .

5- إذا اضطر المعتقل للتوقيع على افادته بعد بذل أقصى جهد في وقف تقهقره في التحقيق فيجب عليه أن يدقق وبشكل عميق وجيد في الأمور التالية :-
أ- عدم التوقيع على بياض تحت أي ظرف كان .
ب- عدم التوقيع وهو في حالة نفسية أو ذهنية سيئة .
ج- عدم التوقيع على اي شيء أفادة أو غيرها وهو مغمض ( معصوب ) العينين أو في الظلام .
د- قراءة الافادة جيدة وعميقة والتوقيع على كل ورقة يقرأها أولاً بأول وليس قراءتها كلها تم توقيها كلها .
هـ- إذا اضطر المعتقل للخروج أو افتعل المحقق سبباً لاخراج المعتقل من غرفة التحقيق ( كأن يراجع الصليب الأحمر مثلاً ) أثناء او بعد قراءة المعتقل لجزء من أو كل افادته فعليه أن يعيد قراءته وتصفح أوراقها ورقة ورقة بعد عودته تحسباً من وضع المحقق أوراقاً بيضاء بينها أو أوراقاً مكتوباً عليها قضايا لم يقلها المعتقل .
و- في حال تحويل المعتقل إلى محكمة أمن الدولة أو أية محكمة أخرى فعليه ان يعمل على توكيل محام قوي وثقه ، وأن يطعن في افادته أمام المحكمة ويدَّعي بأنها أخذت منه ووقع عليها تحت الضغط والاكراه .

فإن الجيش في الحرب التقليدية يتعرض في صراعه مع العدو لخسائر مادية ومعنوية ، وهو كلما حرك جزء من قطاعاته أو قام بأي دور يفقد جزءاً من مخزونه في العتاد والآليات والأفراد والوقود والطعام والشراب ، والمواقع ... وهو يحتاج لاستمرار العمليات ، للامداد والتزود بما يلزمه لتعويض ما يفقده ، وفي محطات الصراع يحتاج إلى غطاء وامداد جديد وهكذا يستطيع الاستمرار في الحرب حتى يفرض موقفه ويحسمها لصالحه .
والمعتقل في الزنازين وغرف التحقيق وساحات التعذيب يتعرض باستمرار لضغوط جسديه ونفسيه وعصبية يواجهها منفرداً وحيداً أمام طاقم التحقيق والخبراء والجلادين ...
وبمقدار ما كان يزود نفسه اثناء حياته العادية بالتعبئة الايمانية والاعداد النفسي والأمني والوعي فإنه يستطيع أن يستمر في تزويد نفسه بالقوى المعنوية وتوظيف الوعي الراسخ اثناء صراعه مع محققية وجلاديه ، وبدلاً من أن ينهار ويستسلم لهم ويجثو على اقدامهم طلباً الرحمة منهم فإنه يعتمل الاصرار في قلبه ، والحقد في نفسه بحيث يتغلب على الوضع القاسي الذي يحيط به .
وهذه فرصة لابد من اغتنامها والتزود منها بوقود الوعي الأمني اللازم لمعركة الاعتقال والتحقيق نرجو ان تصب في صالح حركتنا المباركة .

ليست هناك تعليقات: