الاثنين، 24 مارس 2008

الظروف الحياتية في السجون والمعتقلات


الظروف الحياتية في السجون والمعتقلات

اتسمت الظروف الحياتية في السجون والمعتقلات بعدم الاستقرار. فقوانين الصراع والمدافعة، تتحكم في مجريات الأمور داخل أسوارها، والمدافعة بين المجتمع الاعتقالي الذي يجاهد من أجل البقاء والحياة الكريمة العزيزة وبين إدارة المعتقلات التي تعمل على تحطيم كل أسباب الصمود والثبات في نفوس المعتقلين هي أهم ما يميز حياتها اليومية. ففي الوقت الذي ينظر فيه المعتقلون، إلى أنفسهم نظرة افتخار، وشموخ واعتزاز، فهم يؤدون رسالة مقدسة عظيمة، في الدفاع عن وطنهم، وشعبهم، أمام الاستيطان اليهودي ويقدمون في سبيل هذه الغاية النبيلة المهج والأرواح، ويستصغرون في سبيل ذلك، شتى أنواع المعاناة. فإن السجانين من أفراد الشرطة اليهودية ينظرون إلى المعتقلين، نظرة عداء وصغار فالمعتقل يمثل في رأي إدارة المعتقلات المخرب والقاتل والمجرم الذي يستحق أشد أنواع العذاب، بل حتى في رأيهم لا يستحق الحياة، مما جعلهم يتفنون في ابتكار صور لا حصر لها، من التضييق والتنكيل بالمجتمع الاعتقالي. هذه هي حقيقة العلاقة بين تجمعين متناقضين في الأهداف والغايات، لا يجمعهم أي قاسم مشترك سوى الوجود في حيز واحد، من الزمان والمكان، واضطرارهم للتعامل مع بعضهم البعض، المعتقلون بحكم سلطة الاحتلال والسجانون بحكم الوظيفة والعمل. هذا الواقع يختلف اختلافاً كبيراً عن واقع السجون في كثير من أنحاء الأرض، فرسالة السجن هي رسالة إنسانية إصلاحية وما العقوبة التي يقضيها المعتقل إلا جزءاً من هذه الرسالة، أما في سجون الاحتلال اليهودي وأمثالها فهي مختلفة تماماً، فالسجن فيها للانتقام وتدمير المعتقلين نفسياً و جسدياً، في محاولة مكشوفة للقضاء على روح المقاومة والجهاد في نفوس الشعب الفلسطيني عامة والمعتقلين على وجه الخصوص. والمعركة تستعر بين قوتين غير متكافئتين، فالمعتقلون لا يملكون من أسباب القوة شيئاً عدا إيمانهم بحقهم وتصميمهم على تحقيق أهدافهم، وأملهم في التحرير والخلاص من عدوهم، وإدارة المعتقل تملك كل أسباب القوة، من ضرب وتنكيل وحرمان، من الطعام والشراب وحتى الهواء. هذا الواقع غير المتكافيء جعل الحياة الاعتقالية غير مستقرة على حال، فكل من قطبي المعركة يعمل على تـأكيد سيطرته على المعتقل وتحقيق أهدافه. فكل طرف يتربص بالآخر وينتظر الفرصة السانحة، ليبدأ معركة تكتيكية محدودة تمكنه من التقدم لتحقيق هدف المعركة الاستراتيجية. وتارة يخوض المجتمع الاعتقالي معركة حامية الوطيس من أجل قطعة من الخبز أو حفنة من الماء أو قليل من الهواء النقي، وتارة أخرى من أجل الخلاص من كلمة يرون فيها تجسيداً للعبودية مثل كلمة يا سيدي، وتارة من أجل الدواء وأحياناً يخوضون معارك ضارية من أجل تأكيد سلطتهم الثقافية والتنظيمية داخل المعتقل. إن الحياة الاعتقالية تتسم بعدم الثبات، والتحول والتبدل وذلك بسبب عدد من العوامل أهمها: 1- إدارة المعتقلات والأجهزة الأمنية فيه تهدف إلى حالة من عدم الاستقرار في المعتقلات فهي تفتعل الصراعات إن لم يكن هناك موضوع لذلك، وذلك لما حالة الاستقرار في المعتقلات من آثار إيجابية على حياة المعتقلين. 2- طبيعة الأدوار التي تقوم بها القيادات التنفيذية في المعتقلات، إذ أن لكل فرد منهم دور مرسوم ومتفق عليه وذلك بهدف زيادة التوتر النفسي لدى المعتقلين. 3- الوضع الأمني العام ومدى تأثر كل من المعتقلين وإدارة المعتقلات به. 4- الإعلام اليهودي من إذاعة وتلفاز وجرائد وما يقوم به من تحريض لإدارة المعتقلات ضد المعتقلين. 5- الواقع السياسي يؤثر أيضاً على هذه العلاقة، فمثلاً تتحسن الظروف عند المبادرات السياسية السلمية وتسوء عند فشل هذه الجهود وتغير الأحوال السياسية. 6- تتأثر الحياة داخل المعتقلات بالجهود الإنسانية التي تقوم بها المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان فتتحسن الظروف بكثرة تدخل هذه المنظمات وتسوء عند عدم تدخلها أو قلة اهتمامها بظروف المعتقلين. 7- من أهم العوامل المؤثرة في استقرار الحياة الاعتقالية، تماسك المجتمع الاعتقالي تماسكاً تنظيمياً وأمنياً، وعدم وجود خلافات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة داخل المعتقل الواحد أو خارجه. الظروف المعيشية من طعام وشراب خاض المعتقلون نضالات جبارة وسقط الشهيد تلو الشهيد من أجل تأمين الظروف المعيشية اللائقة بالإنسان، ولا يزالون يناضلون من أجل ذلك. إن سلطات المعتقلات، لا تألوا جهداً في استخدام لقمة عيش المعتقلين وغذائهم كوسيلة من وسائل السيطرة والهيمنة لتركيعهم وابتزازهم. إن فلسفة إدارة المعتقلات في تقديم الغذاء للمعتقلين توضحها التهديدات المتكررة بالتوقف عن تقديم الغذاء والامتناع عن تقديم ما يكفي منه، وكثيراً ما كانت تردد"إننا نطعمكم لتستطيعوا تحمل الضرب والتعذيب، ولا نطعمكم لتعيشوا بصحة جيدة، بل لنقتل فيكم الصحة والمقاومة، إن الأيدي التي جاءت لتقتل عليها ألا تستفيد من الطعام الجيد، من جاء ليقتل لا يستحق الحياة، ولا طعام من أجل الحياة، بل من أجل العذاب والموت البطيء، لن نكافئكم على عملكم بطعام جيد، الكلاب أفضل منكم وغير ذلك من المقولات بالحقد والانتقام والمهانة. وعلى الرغم من هذه الروح التي ميزت تعامل إدارة المعتقلات اليهودية إلا أن المتتبع لأحوال المعتقلين المعيشية يلاحظ بلا شك، أن الظروف المعيشية قد تحسنت باضطراد مع مرور الزمن، وذلك بفضل سلاح المعتقلين الاستراتيجي وهو الإضراب عن الطعام، وما تبعه من تضحيات وشهداء يمكننا أن نميز اختلافاً في مستوى الحياة المعيشية في أكثر من فترة زمنية. ففي الأيام الأولى للاحتلال اليهودي لقطاع غزة والضفة الغربية، لم يعان المعتقلون الفلسطينيون من سوء الطعام المقدم وقلته، وذلك لأن إدارة المعتقلات كانت تسمح بإدخال المواد الغذائية عن طريق أهالي المعتقلين والصليب الأحمر الدولي مما كان يتيح للمعتقلين طعاماً متنوعاً وذا قيمة غذائية جيدة. ولكن هذا الأمر لم يدم طويلاً، إذ قامت إدارة المعتقلات بمنع الأهالي من استصحاب المواد الغذائية، وكذلك توقف الصليب الأحمر عن ذلك، وأصبحت إدارة المعتقلات هي المسؤولة عن ذلك الأمر، فمنذ عام 1969، أصبحت إدارة المعتقلات تتحكم في كمية ونوعية الطعام المقدم للمعتقلين، ومنذ ذلك التاريخ والطعام يشكل مزمنة في العلاقة بين المعتقلين وإدارة المعتقلات، إذ أصبح الغذاء سلاحاً بيد إدارة المعتقلات تستخدمه في تحطيم أجسادهم وإضعاف نفسياتهم وإذلالهم من خلال سوء التغذية، هادفة بذلك إلى تركيع المعتقلين لسياستها . اختلفت كمية ونوعية الطعام المقدمة من معقتل إلى آخر وذلك نسبة لجملة عوامل منها طبيعة السجون، مدنية كانت، أو أمنية، وطبيعة المعتقلات، مغلقة كانت في وجه الصحافة والمؤسسات الدولية الإنسانية، أو مفتوحة، واختلفت كميات الطعام المقدمة للمعتقلين أنفسهم في المعتقل الواحد، تبعاً لكون المعتقل تحت التحقيق أو خارجه، أو في الغرف، أو في الزنازين. تقبل المعتقلون في بداية الاحتلال هذه الظروف المعيشية بصبر ودون مقاومة، وذلك نظراً لعدة عوامل أهمها: أن المجتمع الاعتقالي لم يكن مجتمعاً منظماً، وأن التجربة الاعتقالية لم تكن قد نضجت بعد، وأن الخبرات الاعتقالية كانت محدودة، مما أطلق العنان لإدارة المعتقلات أن تتدخل حتى في بناء خلايا أجسام المعتقلين عن طريق تحديد كميات الطعام ونوعيتها، وكانت الوجبات المقدمة في ذلك الوقت تتصف بالآتي : 1- قلة كمية الطعام حتى أنها لا تكفي لطفل. 2- رداءة الطعام المقدم. 3- طريقة الطهي كانت تتصف بعدم النظافة والرداءة. 4- عدم وجود رقابة صحية مما كان له الأثر في حدوث حالات من التسمم الجماعي. 5- افتقاد الطعام لكثير من العناصر الضرورية للصحة البدنية. نتيجة لما سبق شكل الطعام مشكلة مركزية للمعتقلين أثرت على العلاقة بين المعتقلين وإدارة السجون(المعتقلات): فكانت سبباً لكثير من المصادمات وتقدمت قائمة المطالب عند قيام المعتقلين بالإضرابات أو الاحتجاجات أو الاعتصامات. وتركزت مطالبهم على الآتي: 1- تحسين نوعية الطعام. 2- زيادة كميته. 3- إشراف المعتقلين على علمية إعداد طعامهم وطهيته. ونتيجة لهذه الأوضاع السيئة ومع تنامي الوعي عند المعتقلين، وبعد تشكيل السلطة التنظيمية داخل كل معتقل استطاع المعتقلون تحسين الظروف المعيشية، وخاصة بعد إضراب سجن عسقلان المشهور بتاريخ 5/7/1970، حيث تم إدخال بعض التحسينات الطفيفة على الوجبات. واستمر المعتقلون بعد ذلك ينظمون الاحتجاجات المختلفة لإدخال تحسينات أكثر من ذلك، وخاصة أن المطبخ وعملية الطهي بقيت في يد إدارة المعتقلات، كما أن كميات المواد الغذائية المخصصة للمعتقلين كانت تسرق من قبل إدارة المعتقلات وأفراد الشرطة. وبفضل النضال المستمر تحسنت ظروف الطعام فأصبحت كالتالي: صباحاً: أ- ثلاثة أيام فول + قطعة زبدة بوزن 40غرام + نصف حبة بندورة + شاي أو قهوة + ثلث رغيف ب- أربعة أيام بيض مسلوق + ملعقة مربى كبيرة + قطعة زبدة بوزن 40غرام + قليل من الزيتون + نصف صحن"ديسة" مكون من السميد والماء الساخن والسكر + ثلث رغيف. ظهراً: أ- ثلاثة أيام نصف صحن من الأرز + صحن شوربة خضار + قطعة لحم مجمد + أو قطعة دجاج أو سمك مجمد. ب- أما الأيام الباقية فيقدم نصف صحن بطاطا مطحونة + شوربة خضار + قطعة سمك أو لحمة + 70 غرام فواكه + ثلث رغيف. مساء: باذنجان مقلي أو بطاطا أو زهرة + كوب شاي + ثلث رغيف + نصف حبة بندورة. على الرغم من التحسن الكبير نسبياً في ظروف الطعام في السجون، إلا أن كمية ونوعية الطعام لا زالت مخالفة لما تنص عليه المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة. أما بالنسبة للمعتقلات التابعة لسلطة الجيش اليهودي وتشرف عليها وحدات من الشرطة العسكرية، فإن الظروف المعيشية فيها سيئة بدرجة كبيرة ولا تختلف كثيراً عن الظروف المعيشية التي بدأت بها السجون في بداية فترة الاحتلال، وهذه المعتقلات هي أنصار"2" وأنصار"3" (كتيسعوت) والفارعة والظاهرية ومجدو. فالطعام قليل الكمية لا يشبع، ومنخفض القيمة الغذائية، وغير نظيف ولا مستساغ الطعم. الماء إن الماء حق طبيعي لكل إنسان، أما في السجون اليهودية فهو ليس كذلك، وإنما هو وسيلة، للتضييق على المعتقلين، حيث يُستخدم كعقاب جماعي ضد المعتقلين، عند أي مخالفة صغيرة كانت أم كبيرة، مما جعله سبباً للإضرابات والاحتجاجات. ففي بداية فترة الاحتلال كانت المعتقلات تتسم بالآتي: 1- الاكتظاظ في الغرف، مع الانقطاع الكبير في الماء، مما كان له أثر كبير في ظهور روائح كريهة من المراحيض الموجودة داخل الغرف، مما تسبب عنه ظهور حالات من الصداع. 2- قطع الماء عمداً وقت الأكل، مما يتسبب في بقاء أدوات الأكل بلا تنظيف، وكذا الغرف فضلاً عن الأيدي. 3- بقاء المعتقلين فترات متباعدة دون استحمام وخاصة في أيام الصيف حيث الحرارة والرطوبة العاليتان وذلك بسبب عدم توفر المياه أو قلتها. 4- عدم توفر المياه الساخنة وخاصة في فترات الشتاء حيث الحرارة المنخفضة جداً. ففي بداية فترة الاحتلال، كانت إدارة المعتقل تسمح بالاستحمام مرة واحدة كل أسبوعين، شريطة أن يستحم كل ثلاثة معتقلين في ركن واحد، وتحت دش واحد، ولمدة عشر دقائق فقط، ومع تطور الأوضاع الاعتقالية، وبعد سلسلة نضالات دامية استطاع المعتقلون إرغام سلطات المعتقلات على توفير الماء في كل الأوقات. وهكذا تم حل هذه المشكلة الحيوية، أما في المعتقلات العسكرية فلا زالت الظروف سيئة ولم تحسم مشكلة المياه بعد. الأوضاع الصحية لم تكن الأوضاع الصحية أوفر حظاً من الأحوال المعيشية، بل على عكس ذلك، فقد كانت الأكثر سوءاً، إذ عانى المعتقلون معاناة كبيرة، من تفشي الأمراض، وسوء الأحوال، وقلة الدواء، مما كان له الأثر في استشهاد عدد كبير من المعتقلين، ممن لم تتوفر لهم الظروف الصحية المناسبة، أو نتيجة لأخطاء الممرضين والأطباء المقصودة، وغير المقصودة، كما أصيب عدد آخر من المعتقلين بالأمراض المزمنة، فمنهم من فقد البصر ومنهم من أصيب بالصمم. ولكي نستعرض الأوضاع الصحية فإننا سنلقي الضوء على المشاكل الآتية: - مشكلة الأطباء والممرضين. - مشكلة الدواء"العلاج" - مشكلة الأمراض. - العيادة. الأطباء والممرضون: لا شك أن الأطباء والممرضين جزءاً لا يتجزأ من إدارة المعتقلات وبهذا فهم محكومون بالسياسة العامة للمعتقل، مما أثر على طبيعة عملهم، المفترض فيه البعد الإنساني. فأصبح مَثلَهم مثل غيرهم، جزءاً من سياسة القمع والتنكيل، بالمعتقلين، وكانوا يقومون بالإشراف على تنفيذ حكم الإعدام بالموت البطيء على المعتقلين، وذلك بترك الأمراض تنخر في أجسام المعتقلين، التي ضعفت مقاومتها نتيجة للظروف الاعتقالية القاسية، ويمكننا أن نشير إلى الآتي في معاملة الأطباء والممرضين للمعتقلين: 1- أطباء المعتقلات غير متخصصين، عدا طبيب الأسنان، وطبيب العيون إن وجد والأخيران لا يظهران إلا في فترات متباعدة قد تصل إلى أكثر من ثلاثين يوماً. 2- مهمة الأطباء لم تكن علاج المرضى وإنما تنحصر في إعطاء المرضى مسكنات مع الإبقاء على الأمراض تستوطن وتفتك بالمعتقلين، كنوع من سياسة التعذيب والاعتقال. 3- عدم السماح لأطباء من الخارج بعلاج المعتقلين، وذلك بحجج الأمن. 4- اشتراك الأطباء والممرضين في عمليات تعذيب وقمع المعتقلين، عند وقوع نزاع بين إدارة المعتقل ومجموع المعتقلين. 5- أهم ما يميز معاملة الأطباء هو كونهم حلقة وصل تعمل على إسقاط المعتقلين ضعيفي النفوس وقليلي الوعي في حبال الأجهزة الأمينة، وذلك من خلال ربط تقديم الخدمة الطبية بالتعامل مع المخابرات ضد المعتقلين، فكثير من الحالات التي ارتبطت بالعمالة تم ربطها عن طريق العيادة أو الممرض أو الطبيب. 6- الإهمال المتعمد في تشخيص وعلاج المعتقلين، كأن يشكو المعتقل المريض من مرض ما فيعطيه علاجاً لمرض آخر. مشكلة الدواء"العلاج": إن مشكلة الدواء من المشاكل الظاهرة في المعتقلات، فلم يقدم في تاريخ المعتقلات علاج كامل لأي مريض، إنما يتمثل العلاج في بعض المسكنات،أمثال الأسبرين أو الأكامول، أو يعطي المرضى علاجاً خاطئاً غير مناسب للحالة. تفشي الأمراض: لا شك أن العوامل الموضوعية المساعدة على انتشار الأمراض في المعتقلات كثيرة منها على سبيل الذكر لا الحصر، سوء التغذية، والازدحام الكبير وسوء الأحوال الصحية وخاصة أن المقاومة الجسدية للمعتقلين تتناسب تناسباً عكسياً مع تزايد مدة الإقامة في المعتقل، وقد تبين أن الأمراض قد بدأت في الظهور بشكل ملفت للنظر بين المعتقلين بعد مضي خمس سنوات على الاعتقال، حيث بلغت نسبة المرض في السنوات الخمس الأولى حوالي 10% أما في الخمس سنوات التالية أي بعد عشر سنوات من الاعتقال قد تراوحت النسبة من 50-60% وهكذا دواليك. أما بالنسبة لعدد الأمراض التي أصابت كل شخص معتقل فقد وصلت نسبة المصابين بأكثر من مرض واحد 60% من المعتقلين وأغلب هذه الأمراض كانت مزمنة كأمراض المعدة، والرئة، والأمعاء، والصداع، والقلب، والانهيار العصبي، وارتفاع الضغط، وحسب إحصائية أجراها المعتقلون في معتقل جنيد عام 1985، تبين أن جملة الأمراض المزمنة تبلغ 33مرضاً مزمناً، ويعاني منها 160معتقل . العيادة: في أغلب المعتقلات يوجد عيادة، يداوم فيها ممرض أو أكثر ويشرف عليها طبيب غير متخصص، وعادة تكون العيادة صغيرة، مجهزة بشكل متواضع، تحتوي على سرير أو أكثر وذلك لاستقبال الحالات الخطيرة والتي بحاجة ماسة للإشراف الطبي المباشر. وباستقراء تجربة المعتقلين مع العيادات يمكننا أن نلاحظ الآتي: 1- العيادة مركز لتنظيم العملاء، ومكان لإدارة الخطط وتوجيهها من أجل جمع المعلومات، وخلق المشاكل للمعتقلين والتآمر، وحسب إحصائية أجراها المعتقلون تبين أن 80% من العملاء داخل المعتقلات قد تم تنظيمهم عن طريق العيادة. 2- مكان لتعذيب المعتقلين نفسياً وجسدياً، حيث لا يعطى العلاج بهدف الشفاء من الأمراض وإنما لتسكين المرض فقط. ولقد سنت إدارة المعتقلات عدة قوانين تهدف إلى ربط المجتمع الاعتقالي بالعيادة، لتلقي أي علاج أو أي رعاية صحية مهما صغرت، وذلك للتغطية على اتصالاتهم بالعملاء. وفي الختام يمكننا تلخيص أسباب سوء الأوضاع الصحية في المعتقلات إلى الأسباب الآتية: 1- حالة الاكتظاظ في الغرف. 2- تصميم المعتقلات غير الصحي، وخاصة سوء التهوية وعدم تعرض الغرف لأشعة الشمس 3- الرطوبة العالية مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض الروماتيزم والربو. 4- سوء التغذية 5- قصر الفترات التي يتعرض فيها المعتقل للهواء والشمس. 6- عدم السماح بدخول الأطباء المختصين إلى داخل المعتقلين. 7- المعاملة القاسية من إدارة المعتقلين، مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية. 8- قلة وعي بعض المعتقلين.
معجم الألفاظ الاعتقالية
إن الحياة الاعتقالية زاخرة بالإبداعات، والتي لا يقف حدها عند الفن والأدب وإنما يتعداه إلى الألفاظ واللغة، فالمعتقل منذ اعتقاله وحتى تحرره من القيد، يستخدم قاموساً لغوياً خاصاً بالحياة الاعتقالية، فيصادف ألفاظاً ومسميات وتعابير، تحمل مدلولات بواقع المجتمع الاعتقالي، ولها إيحاءات نفسية لا يحسها ولا يتفاعل معها إلا من سبق له الاعتقال.
بعض هذه الألفاظ يرجع في أصوله إلى اللغة العربية الفصيحة وبعضها الآخر إلى العامية الفلسطينية، وأخرى مشتقة من اللغة العبرية، واستطاع الباحث إحصاء ما يقرب من مائة كلمة، سيحاول الباحث التعليق على بعضها في هذا المبحث.
وهذه المصطلحات الاعتقالية الخاصة دليل القدرة الإبداعية للمجتمع الاعتقالي.
بعض المصطلحات ودلالتها النفسية:
اصطلح المجتمع الاعتقالي على مدى حوالي ربع قرن من الاعتقال، على التخاطب فيما بينهم بألفاظ، حملت مدلولات اصطلاحية خاصة نذكر بعضها ونعلق على مدلولها النفسي إن وجد:
1- العصفور:
لغة[i][i]: جنس طير من الجواثم المخروطيات المناقير، الأنثى: عصفورة.
اصطلاحاً: العميل الذي اكتشف وفضح أمره في المعتقل.
2- القرن:
لغة[ii][ii]: القرن في القوم الوجيه والظاهر.
اصطلاحاً: لفظ يطلق على كبار العملاء ورؤوسهم.
القرن يثير في النفس شعوراً بالتقزز والاشمئزاز وعدم الارتياح، فكم من الجرائم ارتكب وكم من الحرمات انتهك، كما تتلبس المعتقل رغبة في القصاص والانتقام من هذا النفر الخائن.
3- المواخير(غرف العار):
لغة[iii][iii]: الماخور: بيت الريبة ومجمع أهل الفسق والفساد(ج) مواخر أو مواخير.
اصطلاحاً: هي غرف خاصة بالعملاء الهاربين من أيدي العدالة في السجون، وهي تجمعات للعملاء المفضوح أمرهم، هدفها الإيقاع بالمعتقلين الجدد عديمي الخبرة الاعتقالية وذلك للحصول منهم على المعلومات لإثبات إدانتهم.
ذكرهم يثير في النفس شعور من التقزز، ورغبة جامحة في توعية أبناء الشعب الفلسطيني، فهم أخطر في التحقق من المخابرات الصهيونية، إذ أن الحالات المستعصية على المخابرات الصهيونية، إذ أن الحالات المستعصية على المخابرات والمحققين الصهيونيين، يؤتى بها إلى غرف العار للإيقاع بالضحايا والمعتقلين عديمي الخبرة.
4- القرنة:
لغة: لفظة عامية فلسطينية وتعنى الزاوية.
اصطلاحاً: عملية التحقيق مع العملاء.
تثير في النفس شعور من الارتياح، لأن الخائن قد انكشف أمره، وسيأخذ جزاءه على ما اقترف في حق الوطن.
5- طير:
لغة: بمعنى ارتفع في السماء.
اصطلاحاً: هي عملية هروب العميل من بين أيدي المعتقلين أو عملية سحب الإدارة للعميل عند اقتراب افتضاح أمره.
إن هذه العملية تثير في النفس شعوراً بالندم واللوم وعض الأنامل غيظاً، لأن الخائن لم ينل عقابه الذي يستحق.
6- الصقر:
لغة[iv][iv]: من جوراح الطير من الفصيلة الصقرية(ج) أصقر وصقور.
اصطلاحاً: تطلق على المعتقل الذي ينفذ حكم الإعدام في العميل أو أكثر ويتحمل مسؤولية ذلك أمام إدارة المعتقل.
إن ذلك يثير في نفوس المعتقلين شعوراً من الزهور والفرح والثقة، فالشعب الفلسطيني لم يزل يقدم الأبطال، وأن العدالة لا بد أن تعاقب كل الخونة ممن باعوا أنفسهم وأهليهم للعدو الصهيوني.
7- الكبسولة:
لغة[v][v]: (في القذيفة): جزء يحتوي على مادة سريعة الاشتعال، تشتعل فيبدأ التفجير.
اصطلاحاً: هي لفافة من الورق الشفاف أسطوانية الكل، يبلغ طولها حوالي 2-5 سم ونصف قطرها 0.75سم، تحوي معلومات سرية أو مواد خاصة بالأرشيف مغلفة بإحكام بمادة بلاستيكية، يبلعها المعتقل عند الخطر أو في حالة الانتقال من سجن إلى آخر أو عند تحرره من القيد.
وهي تثير في النفس شعوراً بالثقة، وقدرة المعتقلين على ابتكار وسائل متجددة، وأن إرادة المعتقلين أقوى من إرادة جلاديهم.
8- الكبسية:
لغة[vi][vi]: كبس عليهم، بمعنى اقتحم.
اصطلاحاً: عملية الاعتقال للمجاهد الفلسطيني عندما تتم من البيت أو مخبئه.
تعيد إلى ذاكرة المعتقل خيالات العذاب وصور التنكيل والإجرام التي ترافق عملية الاعتقال، كما تذكر بالأحزان حيث فراق الأم والزوجة والولد.
9- الحاكيراه: كلمة عبرية بمعنى التحقيق.
اصطلاحاً: هي مكان وعملية التحقيق مع المعتقلين.
تثير في النفس خيالات التعذيب والتنكيل وتظهر مدى فظاعة وجرائم الاحتلال، وتؤكد على شعور الانتقام.
10- الشبح:
لغة[vii][vii]: شبح الشخص: مده ليجلده أو مده المصلوب، شبح الرجل شباحة: أي امتلأت ذراعه، وبعد ما بين منكبيه، فهو مشبوح الذراعين.
اصطلاحاً: هي أوضاع مختلفة غير مريحة، يكون فيها المعتقل أثناء التحقيق معه، وتستمر لفترات طويلة، ومنها صور مختلفة.
تذكَّر المعتقل بالآلام الجمة التي كان يعانيها أثناء التحقيق. وصور الأوضاع المرعبة التي كان فيها.
11- مسبار: كلمة عبرية تعني الرقم.
اصطلاحاً: هو الرقم الذي ينادي به المعتقل بدلاً من اسمه داخل المعتقل.
وهي تثير في النفس شعوراً بالدونية، ولذلك تجد المعتقلين يكرهون ذكر ذلك، فالاحتلال يحاول بذلك تفريغهم من مضمونهم الإنساني.
12- شحرور: كلمة عبرية بمعنى إفراج.
اصطلاحاً: هي تعبير عن عملية الإفراج عن المعتقل.
وهذه الكلمة هي أحب كلمة في القاموس العبري إلى نفوس المعتقلين، فهم يدعون بها حتى في صلواتهم،"اللهم ارزقنا شحروراً" أي فرج كربنا وفك أسرنا.
وعند قدوم الشرطي، وفور قراءته لبعض الأرقام "الشحارير" ينقلب حال المعتقلين فتبدأ الأناشيد ومراسيم الوداع، فيصطف المعتقلون جميعاً ويقوم المفرج عنهم بوداع الجميع بحرارة وصدق وعواطف جياشة.
13- القمعة:
لغة[viii][viii]: قمع الشراب قمعاً: مر من الحلق مراً بغير جرع، وفلاناً ضربه بالمقمعة.
اصطلاحاً: هي عملية التفتيش الفجائية التي تقوم بها إدارة المعتقل، لأماكن سكن المعتقلين، أو كذلك لفظ يطلق على عمليات العقاب الجماعية للمعتقلين.
إن هذه العملية، كانت تقلب حال المعتقل، رأساً على عقب، إذ تدب حركة غير عادية عند كل الفصائل والتنظيمات، فكل منها يحاول إخفاء المواد الخاصة بالتنظيم كي لا يقع في أيدي إدارة المعتقل، أما بعد القمعة، يقوم المعتقلون بترتيب أغراضهم التي عاثت فيها سلطات المعتقل فساداً وتخريباً.
الزنزانة: هي لفظة دارجة بمعنى للمكان الضيق.
اصطلاحاً: هي مكان ضيق، يعاقب المعتقل بالسجن فيه.
الشمعة:
لغة:[ix][ix]واحدة الشمع، وهي أيضاً وحدة تقاس بها شدة إضاءة المصباح.
اصطلاحاً: عبارة عن قطعة من القماش المبللة بمادة دهنية، ومطوية على قطعة من الكرتون على شكل أسطوانة، يستخدمها المعتقلون من مصادر الوقود لإعداد الشاي، ويطلق عليها أيضاً اسم"فتيلة".
وهي تظهر أن للمجتمع الاعتقالي مجتمع مبدع.
16-الجلسة:
لغة[x][x]: جلس الإنسان جلوساً ومجلساً: قعد والجلس، مرة الجلوس، وحصة من الوقت يجلس فيها جماعة مختصون للنظر في شأن من الشؤون الخاصة بهم.
اصطلاحاً: هي حلقة الدرس اليومية.
17- الشوتير: كلمة عبرية تطلق على الشرطي.
18- الخيال: كلمة عبرية تطلق على الجندي، وهو جندي الحراسة.
19- الخوفيش: كلمة عبرية تطلق على الممرض.
20- القبر(الثلاجة).
لغة: المكان الذي يدفن فيه الميت.
اصطلاحاً: هو مكان مظلم ضيق بارد شتاءً، مرتفع الحرارة صيفاً، يستخدم في انتزاع المعلومات من المعتقلين، وذلك بإلقاء المعتقل فيه فترة من الوقت।
· تغطية الوجه والرأس :
حيث يتعرض الأسير لتغطية وجه بكيس قذر مما يؤدي إلى تشويش الذهن وإعاقة التنفس
· الشبح :
أي وقوف أو جلوس الأسير في أوضاع مؤلمة لفترة طويلة وغالباً ما يتم إجلاس الأسير عل كرسي صغير لا تتجاوز قاعدة 25 سم × 25 سم وارتفاعه حوالي 30 سم وتقيد يديه إلى الخلف .
· الحرمان من النوم :
حيث يحرم الأسير من النوم لفترت طويلة
· الحبس في غرفة ضيقة :
حيث يحبس الأسير في زنزانة ضيقة جداً يصعب فيها الجلوس أو الوقوف بشكل مريح .
· الحرمان من الطعام :
حيث يحرم الأسير من بعض الوجبات الغذائية إلى بالقدر الذي يبقي الأسير حياً ولا يتم إعطاء الأسير الوقت الكافي لتناول الطعام .
· الضرب المبرح :
حي يتعرض الأسير للصفع والركل والخنق والضرب على الأماكن الحساسة والحرق بأعقاب السجائر والتعرض للصدمات الكهربائية.
· التعرض للموسيقى الصاخبة :
حيث تعرض الأسير للموسيقى الصاخبة التي تؤثر على الحواس .
· التهديد بإحداث إصابات وعاهات :
حيث يتم تهديد الأسير بأنه سوف يصاب بالعجز الجسدي والنفسي قبل مغادرة التحقيق .
· الحط من كرامة الأسير :
حيث يرغم الأسير على القيام بأمور من شأنها الحط من كرامته
· تهديد الأسير بالاغتصاب والاعتداء الجنسي عليه أو على زوجته وذويه .
· اعتقال الأقارب من أجل الضغط على الأسير .
· حبس الأسير مع العملاء :
حيت يتم وضع الأسير مع مجموعة من العملاء الذين يعملون لحساب المخابرات الإسرائيلية .
· أسلوب الهز :
حيث يقوم المحقق بالإمساك بالأسير وهزه بشكل منظم وبقوة وسرعة كبيرةمن خلال مسك ملابسة بحيث يهتز العنق والصدر والكتفين الأمر يؤدي إلى إصابة الأسير بحالة إغماء ناتجة عن ارتجاج في الدماغ .
· عرض الأسير على ما يسمى بجهاز فحص الكذب .
· تعريض الأسير لموجات باردة شتاء وموجات حارة صيفاً أو كلاهما معاً .
· حرمان الأسير من قضاء الحاجة .
· إجبار الأسير على القيام بحركات رياضية صعبة ومؤلمة ( وضع القرفصاء
· أو جلسة الضفدع لفترة طويلة وفي حالات يضع المحقق الكرسي لضمان عدم تحرك السجين ) .

وكان تقرير أعدته مؤسسة بتسيلم الإسرائيلية في حزيران 1998 قد أكد أن أكثر من 850 سجيناً فلسطينياً يتعرضون لأشكال متنوعة من التعذيب كل سنة وأن محققي الشباك يستخدمون أثناء تحقيقهم واستجوابهم للأسرى الفلسطينيين أكثر من 105 وسيلة للتعذيب .

ليست هناك تعليقات: